مصطفى إبراهيم الخليل، نموذج لمتصوفي الساقية الحمراء



 عمّ حزن عظيم على كل الذين علموا برحيل الفقيه، التقي، الحيِّ(من الحياء ) مصطفى إبراهيم الخليل، الذي رحل في صمت بعيدا عن أي مظهر من مظاهر الأخبار والكلام ووسائل التواصل. الذين يعرفون الفقيه مصطفى إبراهيم الخليل اكتشفوا، حين علموا برحيله، أن شئيا ما في هذا المكان الذي يعيشون فيه قد انكسر، وأن رجلا غير عادي،  لا يشبه الناس الذين يعرفون قد رحل، وأنهم فقدوا شيئا مُهما من منهم، لكن لا يعرفون ما هو؛ رجل لن يتكرر، ولن يعرفوا شخصا مثله في أخلاقه وتقواه وزهده وحياءه وركوعه وسجوده ونظافة يده وقلبه. قد يكون هذا الفقيه هو آخر  التقاة والزاهدين والورعين والمتصوفة الذين حافظوا على مذهب التصوف السني الذي اخترعه فقهاء الساقية الحمراء. ورث الفقيه مصطفى الورَع والزهد والتصوف السني عن جده الفقيه الكبير سيدي الزين دفين الكدية المشهورة أو كدية الحس في وادي افرا، التي اصبحت تحمل اسمه في زمور، والذي كان فقيها وعالما ومن كبار القوم. ورغم تقلبات الدهر وشيوع المذاهب والبدع والشيع، ورغم قساوة اللجوء  إلا أن مصطفى براهيم الخليل ابتعد عن كل هذا وحافظ على مذهب أجداده، ورسم لنفسه نهجاً حياتياً واضحا لا يساوم عليه ولا يحيد عنه. حفظ كتاب الله بالطريقة التقليدية(اللوح والدواة) أكثر من مرة، وحوّل أي مكان يعمل فيه إلى خلوة للتعبد أو للسياحة الدينية، واعتمد على نفسه فثقفها ثقافة دينية ناصعة لا تشوبها شائبة.  حينما نقول أن فقيهنا-مصطفى- هو متصوف سني فلا نعني إطلاقا التصوف الذي يتحدث عنه الكثيرون الآن، والذي شابته الكثير من البدع والخزعبلات التي سيظل التصوف الحقيقي براء منها إلى يوم يُبعثون. التصوف الحقيقي، أو التصوف في صورته الأولى كانت له اركان منها حفظ القرآن الكريم، الخلوة للتعبد، السياحة الدينية، الزهد في الحياة، تربية الأبناء تربية صالحة والعمل باليد. 

كل هذه الأركان طبقها- كما هي وحرفيا- الفقيه الراحل مصطفى إبراهيم الخليل في بيئة ومجتمع ابتعد كثيرا عن شرائع التصوف السني. ففي كل الأماكن التي كان يعمل فيها هذا الفقيه كان يخصص جزءا طويلا من الليل ساهرا يقرأ، يرتل أذكاره وأوراده وتسابيحه وهيللته، وإذا وجد فسحة في غير أوقات العمل كان يخرج إلى خارج المخيم يتأمل كما كان أجداده يقومون بالسياحة الدينية في القديم خاصة فقهاء ومتصوفي وادي الساقية الحمراء المشهورين في التاريخ. فبالإضافة إلى السياحة والخلوة الدينية ربىّ الفقيه مصطفى أولاده تربية مثالية، وفقههم،  وظل يعمل صابرا مثابرا إلى النهاية. الذين كانوا يرون مصطفى يمر يوميا بالقرب منهم متجها إلى عمله، حاملا لوحه المليء بكلمات الله، ويسمعون تلاوته وترديده لأذكاره وتلاوته كانوا يحسون في أعماقهم أن هذا الصوت ليس صوت بشر، أو إذا كان صوت بشر فقد ارتقى وأصبح صوتا له علاقة بالسماء أكثر مما له علاقة بالأرض. وليس صوته وهو يقرأ ويردد أذكاره وسوّره هو الذي يلكز اجناب الناس الذين عرفوه، لكنه هو كشخص ارتقى في اذهانهم وأصبح أقرب إلى الملائكة منه إلى البشر. رحم الله التقي الورع مصطفى ولد براهيم الخليل واسكنه فسيح جناته. 

من صفحة السيد حمدي يحظيه


يرجى تسجيل تعليقات ذات قيمة حتى يمكن ادراجها في الموقع الإبتساماتإخفاء