هل تضطر الولايات المتحدة إلى تغيير استراتيجيتها أحيانا( كوبا نموذجا)


تُحَدِّدْ استراتيجية الولايات المتحدة في قضية ما جملة من العوامل، لكن أهمها كلها، وبالدرجة الأولى، هو العامل الاقتصادي النفعي، وهو الذي تتمحور حوله الاستراتيجية والتكيتيك والسياسة. التقليدي في أستراتجيات الولايات المتحدة الأمريكية هو أنها تنظر إلى القضية التي تريد افتراسها نظرة استراتيجية بعيدة المدى، ولا تبني استراتيجيتها على قضية ما بناءا ارتجاليا أو تخضعه لنزوات وأوهام. فكل قضية أو دولة تريد الولايات المتحدة ان تنتفع منها أو تفترسها تبدأ بدراستها ملئيا وبتعمق وتطلب من المراكز المختصة أن تقوم بدراسات حول تلك الدولة أو القضية..     
لكن السؤال الذي يطرح نفسه دائها هو هل الولايات المتحدة تضطر احيانا لتغيير استراتيجياتها في قضية ما إذا ظهر لها أنها أن الاستراتيجية الأولى لم تنجح أو لم تعط ثمارها في وقت محدد..؟
في الحقيقة إن الولايات المتحدة، حين يطول الوقت ولا تعطي استراتيجيتها في قضية ما نتائج إيجابية تعيد الدراسة من جديد، وحين تُظهر الدراسات أنه يتوجب السير أكثر في نفس الاتجاه حتى بدون نتائج إيجابية، تسير الإدارة رغم الصدمات في نفس الأتجاه، أما حين يتم طلب تغيير الاستراتيجية فتُغييرها الإدارة، لكن فقط حين تنقضي المدة المحددة التي هي حوالي 50 سنة...
كوبا، النموذج الذي فشلت فيه الاستراتيجية الأمريكية:
كانت الولايات المتحدة، منذ سنة 1960م، تريد أن تجعل من جزيرة كوبا " جزيرة أمريكية" مثلما تفعل مع كل الجزر الجملية التي تحيط بكوبا.. فكل تلك الجزر الجملية، ورغم أن بعضها يتمتع بحكم "مستقل" إلا أن يد أمريكا هي اليد السوداء في كل تلك الجزر وهي التي تسييرها بالماندو.. تلك الجزر الخلابة يريدها الأمريكي جزرا للراحة والهدوء والخمر والنساء، واليد العالمة كلها في تلك الجزر تعمل على خدمة الأمريكي في المقاهي والملاهي والحانات، والنساء يعمل أكثرهم في تدليك بشرات العجزة الأمريكيين الأغنياء أو يعملن خليلات لهم..
بالنسبة لكوبا شكلت استثناءا.. رفض كاسترو العنيد أن تكون جزيرة سياحة لراحة الأمريكي، ورفض أن تكون ملهى كبيرا للسواح الأمريكان، وقال، باسم كوبا، لا للكوباوي الامريكي. وحتى ترضخ كوبا تم وضع استراتيجية أمريكية طويلة المدى لخنقها ولحصارها وقطع الاتصال والتنفس عنها وغلق كل الطرق المودية إليها.. تعذب الكوبيون طويلا من تلك الاستراتيجية الامريكية الظالمة.. عاش الكوبي على الأرز والشاي والسكر فقط.. لم يعرف لا اللحم ولا البيض ولا الفواكه ولا حتى الدراهم، أما السيارات فكانت حلم يقظة فقط.. ومنذ سنة 1960م إلى سنة 2015م والكوبي يحزم الحجر على بطنه ويتغذى بالاعشاب أو بالسكر فقط، لكن مع ذلك رفض أن يكون خادما للامريكي ورفض ان تكون ابنته دلاكة لظهر العجوز الأمريكي الغني..
بعد خمسين سنة من السير على نفس الاستراتيجية ظهر للولايات المتحدة أن كوبا ستبقى صامدة، وانه إذا لم ينفع معها حصار خمسة وخمسين سنة فلن ينفع معها حصار الدهر كله.. عادت الولايات المتحدة تحقق من جديد في تلك الاستراتيجية التي تم وضعها في سنة 1960 م فأكتشفت أنها فاشلة.. أعترفت بالخطأ وجاءت إلى كوبا لتفتح معها علاقات الند للند، وترفع عنها الحصار..
إذن، كوبا تعتبر نموذجا للمنطقة التي فشلت فيها استراتيجية من استراتيجيات الولايات المتحدة الطويلة المدى، وهي، من زاوية اخرى، يمكن ان تعطي الانطباع أن الولايات المتحدة الأمريكية تغيير استراتيجيتها كل خمسين سنة إذا ظهر لها أن تلك الاستراتيجية لم تفلح. (يتبع)
القادم: هل ستغيير الولايات المتحدة استراتيجيتها في قضية الصحراء الغربية؟               

يرجى تسجيل تعليقات ذات قيمة حتى يمكن ادراجها في الموقع الإبتساماتإخفاء