ملحمة قلتة زمور: الحلقة الثامنة

 


 


سام 6 ينطلق من جديد

بالنسبة للجنود الفارين من مركز القلتة كان مصيرهم حزينا. تصدت لهم الناحية الرابعة والأولى في تلك الشعاب والصخور فكان بعضهم يفضل أن يرمي بنفسه من أعلى الصخور فيموت في أسفل الوادي بطريقة مريعة من ان يقع في الأسر. تحركت ثلاث طائرات من العيون واحدة للكشف واثنتين للقصف. بالنسبة لطائرة الاستطلاع، وبعد أن وصل صاحبها إلى المكان، اكتشف مركز الصواريخ الصحراوية فعاد أدراجه، وهو الذي سيدخل السجن بعد ذلك ومات فيه. أما الطائرة الأخرى ميراج F-1 أمريكية الصنع، وهي دقيقة أثناء القصف والكشف، فكان يقودها الرائد المساعد دريس اليزمي. هو طيار من خيرة الطيارين المغاربة المؤهلين، لكن كانت مهارته تظهر فقط حين يتعامل مع صاروخ ستريلا 7 والرشاشات. طار بسرعة، حوالي منتصف النهار، ليدخل المعركة، ثم انخفض حتى وصل إلى 30000 قدم، لكن صاروخ آخر سام6 كان يهدر منتظرا اللحظة المناسبة لينطلق نحو الطائرة. انطلق الصاروخ نحو الطائرة فأصابها على الجناح فحلقت مبتعدة لتسقط خارج مدار المعركة. بسبب كثافة الاصوات والقصف والغبار لم يسمع المقاتلون ذلك الصوت الذي هدر ليطيح بطائرة ثانية. انقطع معها الاتصال، والإشارة الوحيدة التي سمعها أصحاب التصنت هو القول: أصبح هناك مثلث برمودا في القلتة. كانت طائرة ثمينة جدا ولم يمض على تسلمها من الولايات المتحدة سريا سوى ثلاثة أشهر. كان يجب أن يتسلمها المغرب في شهر مايو 1986م، لكن تم تسليمها سريا قبل الموعد المتفق بشأنه، أما ثمنها فقد تكلفت به السعودية هي و5 طائرات مروحية. بالنسبة للطيار إدريس اليزمي سيتم القبض عليه. حاول الاختباء، لكن عثر عليه المقاتلون الصحراويون وهو في حالة سيئة. كانت يده مكسورة وحالته النفسية متدهورة وغير قادر على الكلام. أول ما طلب هو الماء والخبز. كان غير قادر على الحركة ومرتاع. قال للذين ألقوا القبض عليه أن خائف من أن يأكلونه حيا. لكن تم تقديم له الماء والتمر وقاموا بتقديم الدواء له. أرتاح ثم ركب سيارة لاندروفير متجها إلى مكان جمع الأسرى والغنائم. 

تواصلُ المعركة على الأرض

رغم السيطرة الكاملة على موقع القلتة، وقت الظهر، إلا أن القوات التي فرت حاولت أن تتجمع من جديد في الحامية العسكرية التي توجد في هضبة الفرنان. في تلك الحامية يوجد موقع القيادة ويوجد ثقل الدفاعات. تجمعت القوات الفارة من la fuerte لمحاولة حماية القيادة وتنظيم الدفاعات في الخط الثاني. كانت دفاعات الحامية قوية ومجهزة بالصواريخ، وكانت رمايتها كثيفة. رغم محاولة قطع الطريق إليها بالصخور الثقيلة إلا أن ذلك لم ينفع. كانت الناقلات الصحراوية تناور من اتجاهات مختلفة لتخترق الدفاعات، وكانت الهاونات وراجمات ستالين تصب صواريخها وقذائفها في مركز الحامية. فر قائد الحامية الذي قد يكون هو قائد الفيلق الرابع نفسه. 

بما أن المعركة استمرت إلى العصر فهذا يعني أن وقت مجيء النجدة قد أقترب. هذا العامل الطارئ حتم على وحدات الناحية العسكرية الأولى والخامسة أن تتشكلا من جديد للعودة إلى مكان مراقبة الطرق التي يمكن أن تأتي منها النجدة من طريق السمارة وبوكراع.

في الليل ارتاح المقاتلون في وضعية قتال، ومع الفجر كانت وحدات من استطلاع الناحية الأولى قد تقدمت أتجاه الشرق والشمال لتراقب طريق النجدات. حول القاعدة شبه المحاصرة تَقدم استطلاع الناحية الثالثة فجرا فاكتشف أن مجموعات معادية راجلة تحاول التقدم من فدرة الفرنان الصغيرة لتخرج من الحصار. تصدت لها رشاشات الناحية الثانية وسيارات الناحية الرابعة فعادت أدراجها في فوضى. أثناء عودتهم سقط الكثير من الجنود وراء الصخور قتلى وجرحى. بقي الجرحى في المكان إلى غاية الصباح أين تم القبض عليهم. 

يوم 14 اكتوبر، فجرا، تم استئناف المعركة الكبيرة. كان الهجوم عنيفا وبمعنويات مرتفعة لتدمير محور الدفاعات القوي المقام حول مركز القيادة. وقع الهجوم فجرا؛ الساعة التي يعرف المقاتلون أن الجنود المغاربة ينامون فيها خاصة بعد يوم متعب من المطاردة والقتل. في الحقيقة بات الجنود المغاربة الذين يدافعون عن القاعدة سهارى. تعمدت وحدات الصواريخ الصحراوية، اورغ ستالين ووحدات الهاونات، انهاكهم خلال الليل حتى لا يرتاحون. كانت تصب عليهم من حين لآخر دفعات من الصواريخ فيعتقدون أنها هجوما فيلتحقون بمواقعهم. باتوا على أعصابهم يرتعدون خاصة بعد إتلاف المزود الكهربائي. على الساعة الرابعة صباحا، تقريبا، أعطوهم مهلة وأوقفوا عنهم القصف حتى يصرعهم النوم والتعب. على الخامسة صباحا، حين نام الجنود المغاربة، كانت جهنم قد فتحت أبوابها على القاعدة. رغم الإنهاك إلا أن القاعدة دافعت بقوة وبمختلف الاسلحة إلى حوالي الساعة الحادية عشرة. 

سام 6 يُسقط ميراج ثالثة

حوالي الثانية عشرة منتصف النهار ظهر في السماء سرب من الطيران من أربع طائرات أو خمسة. رغم عِلم ملاحي تلك الطائرات بما حدث أمس، بعد سقوط طائرتين، إلا أنهم كانوا مدفوعين إلى المشاركة في المعركة. إحدى الطائرات فرت بعد كشف قاعدة إطلاق الصواريخ، أما طائرتي ميراج فواصلتا وبدأتا تقصف. رمت الطائرة الأولى كل ما كان لديها من ذخيرة على الجانب الشرقي من القاعدة المحاصرة وابتعدت. لم يأخذ الطيار الثاني، قائد Mirage F-1 الفرنسية الصنع، أحمد الكيلي، الحذر بعد ابتعاد طائرة صديقه. أحمد الكيلي هو نقيب طيران، وشارك في الكثير من العلميات وكان كل مرة يعود سالما. حاول أن يُحلق مرتفعا أكثر لمتابعة ما يجري ليتدخل، لكن وقعت الطائرة في شاشة رداد صاروخ سام 6 فانطلق في أثرها مثل صقر يطارد حمامة فأوقع بها وشتتها. 

تشتت طائرة الميراج ومات قائدها في الحال بطريقة تراجيدية، بينما استطاع مساعده، جدي بوجمعة، أن ينزل بالمظلة ليجد المقاتلين في انتظاره. مجزرة حقيقية في يومين كان أبطالها صواريخ سام 6 وأولئك الابطال الذين كانوا يحركونه ويطلقونه. حاولت طائرة أخرى الاقتراب لتراقب الوضع من بعيد، لكن اكتشفت أن قاعدة إطلاق الصواريخ لازالت في مكانها فعادت إلى قواعدها. ثلاث طائرات في يومين هزيمة كبيرة لم تحدث من قبل. وصلت الأخبار إلى الحسن الثاني فجن جنونه. بالنسبة له الطائرات شيء مقدس ولا يريد الذباب أن ينزل عليها. تتبعُ له هو شخصيا، وهو الذي يأمرها بالتحرك ويحرص على صيانتها. فقدت القوة الجوية المغربية ثلاث طائرات من السبع طائرات المخصصة للتدخل في قطاع كلتة زمور. منذ الحرب العالمية الثانية لم يسقط هذا العدد الهائل من الطائرات في يومين، كما لم يسقط من قبل في معركة في إفريقيا كلها. وإذا كان سقوط الطائرات الثلاث هو هزيمة عسكرية، فإن موت ثلاثة طيارين وأسر إثنين متمرسين كان كارثة. الطيارون قليلون مثل الطائرات ولتأهيلهم وتدريبهم يجب إرسالهم إلى الولايات المتحدة أو فرنسا لمدة خمس سنوات. على مستوى مالي كان ثمن الطائرات التي سقطت في يومين هو 150 مليون دولار، وهو ثمن مرتفع لا يقدر المغرب على تعويضه.

قبل الزوال خفت حدة القتال بعد توجيه وحدات مدرعة إلى الطرق التي يمكن أن تأتي منها النجدة. زحفت ناقلات ومدرعات الناحية الثانية نحو القاعدة وسيطرت عليها. بدأ الأسر، وبدأ غنم الآليات وتنظيف المكان. كان الجنود الاسرى في حالة يُرثى لها. كانوا يطلبون السردين والأكل فقط. في الساحة كان القتلى بالعشرات وكان الدمار والحرق في كل مكان. كان المقاتلون يتسابقون نحو الآليات غير المتضررة ليسحبوها من ميدان المعركة كغنائم. يتبع

blog-sahara.blogspot.com.es

السيد حمدي يحظيه  


يرجى تسجيل تعليقات ذات قيمة حتى يمكن ادراجها في الموقع الإبتساماتإخفاء