اختفاء بصيري، جريمة دولة



بين تواريخ استشهاد أشهر ثلاثة زعماء صحراويين هو فقط ثمانية أيام. في الأجندة، بين تاريخ استشهاد محمد عبد العزيز والشهيد الولي ثمانية أيام، وبين تاريخ استشهاد الولي والشهيد بصيري ثمانية أيام، وكلهم استشهدوا أو اختفوا في يونيو(محمد عبد العزيز يوم 31مايو). بالنبسة للولي لازالت موريتانيا تحتفظ برفاته، ونتمنى ألا تفرط فيها لإنها رفاة طاهرة لرجل شجاع. بالنبسة لمحمد عبد العزيز أوصى أن يتم دفنه في الأراضي المحررة. أما بصيري، الملهم، والشجاع فما حصل له مأساة. ببساطة دفع بصيري ثمن رجلته وأفكاره وأخلاقه العالية، لأنهم قالوا له: السيارة جاهزة، ويجب أن تخرج من العيون حتى لا يتم القبض عليك." ما كان منه إلا أن واجههم بكلمته الخالدة التي قالها ببرودة أعصاب: "لن يكتب عني التاريخ انني دفعت الناس إلى الثورة وهربت."

مأساة مصير بصيري هي مأساة الشعب الصحراوي كله. هذا الرجل الزعيم لا يوجد له قبر، ولا أحد يعرف مصيره وما حدث له بالضبط. هذه جريمة دولة تاريخية وتعاملت معها إسبانيا بجبن وسوء نية وخبث وحقارة زائدة. الآن، الدول الاستعمارية الكبرى بدأت تعتذر عن جرائمها ضد الإنسانية وحتى عن جرائمها فيما يخص الجُنح. ففرنسا التي كانت تستعمر افريقيا، رغم جرائمها، بدأت تعتذر وتعيد رفاة المقاومين الذين قتلت، وألمانيا فعلت نفس الشيء وبريطانيا. فقط إسبانيا مازالت تتصرف بأسلوب الإستعمار غير الأخلاقي وغير الحضاري. فهذا الزعيم الصحراوي، بصيري، الذي قاد ثورة سلمية ضد إسبانيا، بطريقة حضارية، ولم يقتل أو يلجأ إلى العنف ما كان يجب أن يلقى المصير الذي لاقاه على يد الجيش الإسباني. فتصفية الرجل بطريقة تراجيدية والتكتم على مصيره، والتذرع بالحجج، لا تقوم به إلا دولة فاشية حقيرة بلا تاريخ ولا أخلاق. تظن إسبانيا انها بالمماطلة ستغسل يديها من دماء بصيري، لكن في الحقيقة هذا الأسلوب سيجعلها تلطخ تاريخها بالعار أكثر. اللجوء إلى المماطلة ومحاولة التنصل من المسؤولية ونكران الجريمة هو حجة ضد إسبانيا وضد ضميرها. فكل هذا الزمن-51سنة-انتهجت إسبانيا سياسة المماطلة والنكران، وحاولت أن تتهم فرانكو أنه هو المسؤول، لكن في الحقيقة تلك الجريمة هي من نوع جرائم الدول وحلها يكمن في نقطة واحدة: الاعتذار والاعتراف بالجريمة بكل تفاصيلها والتعويض والكشف عن الرفاة. كانت إسبانيا تماطل كل هذا الوقت كي تخفي آثار الجريمة: يموت الشهود، -في الحقيقة ماتوا-، أو لخلق نوع من اليأس عند أهل الضحية أن مصير  المختفي مستحيل أن يُعرف. حالة اختفاء بصيري هي قضية بين دولتين وليست قضية شخصية أو عائلية. من ناحية، إسبانيا كدولة هي طرف وهي المسؤولة عن الجريمة، وجرائم الدول لا تموت بالتقادم ولا تتم أرشفتها. من ناحية ثانية، الدولة الصحراوية هي طرف في القضية، وهي التي يحب أن تقوم بمسؤولية الادعاء.  

blog-sahara.blogspot.com.es 

السيد حمدي يحظيه  

يرجى تسجيل تعليقات ذات قيمة حتى يمكن ادراجها في الموقع الإبتساماتإخفاء