وبموت
محمد الخامس بتلك الطريقة الغامضة التي أًتهم فيها ولده في الذاكرة الشعبية المغربية وفي
التاريخ
الشفهي غير المكتوب، بدأ العهد الجديد ينزع مظاهر وديكور العهد القديم من كل شيء
حتى من الجدران؛ صار الحسن الثاني هو الملك المطلق الذي يختصر المغرب ككل في شخصه،
فانتهى بذلك عهد الحلم المغربي الوردي بالعودة إلى مظاهر العصر؛الحلم بمغرب مستقل
مزدهر جمهوري يتطلع إلى التقدم مثل كل الدول والشعوب. ففي ذلك العهد كان الكثير من
المغاربة يقرأون كف المستقبل ويتصورون أن محمد الخامس من الممكن جدا أن يكون أخر
ملك في تاريخهم بحكم منطقية زوال الممالك المطلقة في العالم، وأنهم سينتقلون بعده
إلى نظام جمهوري انتخابي ينعمون فيه ببعض الأريحية السياسية والاجتماعية.
وإلى
اليوم لازال الكثير من المغاربة يصدقون أن محمد الخامس كان
سيسافر بقاربهم بعيدا عن التبعية العمياء لفرنسا، وأنه وعد الكثير من الناس
بالحصول على الاستقلال الحقيقي بدل المزيف حين تستقر الأمور.
كان
انقلاب الحسن الثاني سريعا وعنيفا؛ أقصى كل الذين كانوا يلتفون حول والده ويحنون
له رقاب الطاعة والوفاء، وبدأ يغير خارطة الحلم المغربي ويرسم له أخرى سوداء أو
ثالثة لا أحد يمكن أن يتنبأ بلونها وحدودها. كان عليه أن يجلد بسوط مسموم من حديد ظهر
كل من يحاول أن يحلم بذلك المغرب العادي الجميل ذي الحدود المشتركة مع البحر
والمحيط ومع ثلاثة عوالم وثلاثة حضارات أو
أكثر...
حين
رتب القصر ورمى ما رمى من تاريخ والده بدأ
حملة بطش هوجاء غير مباشرة على عهد والده؛ سماه عصر الضعف وعدم الصرامة،
ووعد بالانتقام من أولئك الذين كانوا يريدون التطاول على الملكية ويحلمون بتغيير
النظام. كان الضحية الأولى للبطش المناضل المهدي بن بركة الذي كُشف فيما بعد أن
جثته تم تذويبها في الحمض حتى تحللت وتفسخت فيه حتى لا يقام له قبر يزوره أحد في
يوم من الأيام، وحتى لا يستلهم أحد من قبره بطولاته فيحاول السير على طريقه.
من جهة أخرى فرض على الذين كانوا يمدحون والده
أن يبدأوا بوصف مرحلته بمرحلة التذبذب والارتباك وأن العهد الجديد هو العهد
المزدهر. بدأت الأخطاء تتالى لحاقا؛ تم عزل المغرب بسبب الأطماع عن أفريقيا في
الجنوب بالتناكف مع أسبانيا والصحراويين والموريتانيين بالمطالبة بأرضهم، ومع
المغرب العربي بسبب الأطماع الاستعمارية في التوسع على حساب الأرض الجزائرية. على مستوى عالمي وطد علاقات سرية غير شرعية مع
العدو الإسرائيلي وتحول إلى وسيط بينه وبعض الأنظمة العربية الخانعة، ووصل به
الصلف إلى أن قال ذات يوم في جلسة مع
أصدقائه الإسرائيليين "لماذا لا تنتمي دولة إسرائيل إلى الجامعة العربية."
في الشارع
المغربي أدمى ظهر المغاربة بسوط الترهيب، وكان يقول لكل منطقة أخضعها
لمخزنه بالقوة " حتى تتذكرون أنني مررت من هنا ذات يوم".
في
سنوات قليلة نسى المغاربة أحلامهم الوردية واعتكفوا يدأوون جراحهم النازفة
وأتعابهم ويرفعون أيديهم إلى الله ليرفع عنهم البلاء.
يرجى تسجيل تعليقات ذات قيمة حتى يمكن ادراجها في الموقع الإبتساماتإخفاء