نبض التاريخ: يوم فر الغجدامي من المعركة

Resultado de imagen de ‫الغجدامي محمد‬‎كان قادة الجيش المغربي الذين تم الزج بهم في حرب الصحراء يعرفون انه ذاهبون، بكل تأكيد، إلى حتفهم في تلك الصحراء القاسية، المعروفة بانتقامها التاريخي من كل من يعتدي عليها. فالصحراويون، تاريخيا، وفي الذاكرة المغربية وفي ذاكرة المنطقة بكاملها، هم أشداء، أهل نار وبارود، وأهل قتال ولا يستطيع أي جيش إن يقف ففي وجههم. قبل إن تبدأ الحرب في الصحراء، بدأ جنرالات وكولونيلات الجيش المغربي يقرؤون ما كتبه الفرنسيون عن حربهم في الصحراء الغربية في الثلاثينات من القرن الماضي. ما كتبه الفرنسيون مخيف ومرعب؛ فالصحراويون يخرجون من تحت الأرض، من الريح، من وراء الكثبان ومن بين الشجيرات ثم ينقضون على عدوهم ويمزقونه ويحطمونه في دقائق قبل إن تصل النجدات، ثم يختفون في تلك الصحراء التي توفر لهم وحدهم الملجأ، والتي يعرفونها معرفتهم لوجوههم في المرايا ومعرفتهم لأكف أيديهم. من بين الذين قرؤوا تلك الكتب، خاصة كتاب مورييه الذي انهزم في معركة لقليب وهرب، كان هناك، بالإضافة إلى الكولونيل أحمد الدليمي، والعثماني وعبد العزيز البناني، كان محمد الغجدامي. النتيجة، حسب الكتب الفرنسية، كانت دائما كارثية ومحبطة ولا يمكن تصورها، فقد مات جيرار في لقليب، ومات ماك ماهون ابن رئيس الجمهورية الفرسية الذي يسميه الصحراويون مقمق في أم التونسي. فالقادة الفرنسيون الذين شاركوا في تلك الحرب ضد الصحراوين إما ماتوا أو هربوا من المعركة. قراءة ذلك الكتاب جعلت الوكولونيلات والجنرالات المغاربة يتفاجئون أن حتى نهاية القائد الفرنسي المذكور – مورييه نفسه- كانت نهاية مذلة ومخزية حين هرب من أمام المجاهدين الصحراويين في عملية لـﯖليب عام 1913م، وأنه كان ينصح كل من يتقاتل مع الصحراويين، إن أفضل وسيلة للنجاة من قبضتهم ورصاصهم هي الهروب. حين اندلعت نار الحرب بين الصحراويين والمغرب سنة 1975م، كان الغجدامي والطوبجي والعثماني على رأس اللائحة التي وضع الدليمي، والتي أراد لها أن تكون هي حطب المعارك الأولى في الصحراء. لكن من بين كل الجنرالات المذكورين اشتهر الكولونيل محمد القجدامي، ابن مدينة أصيلة، وابن ضابط مغربي متقاعد، درس وتدرب في كلية بورغس الأسبانية الحربية قبل إن ينتقل إلى مدينة سان سير الفرنسية ليواصل تكوينه العسكري استعدادا لمغامرة حرب الصحراء الغربية. اشتهر الغجدامي بالهروب والجبن. أختاره الدليمي هو والبناني لقيادة المعارك وأيده في ذلك الحسن الثاني. حين كان الدليمي هو الآمر والناهي للقوات المغربية، كان محمد القجدامي ظلا له لا أكثر ولا اقل، لكن طاعته وذله لم يشفعان له عند الدليمي؛ بالعكس، كان يتم توجيهه لقيادة القوات المكلفة بالتصادم المباشر مع المقاتلين الصحراويين؛ أي كان يتم توجيهه للموت الذي لا نجاة منه. ففي العقلية المخزنية المغربية من يتم توجيهه للتصادم المسلح والمباشر مع الصحراويين يعني أن قيادته تريد التخلص منه. حدث هذا للكثير من الضباط المغاربة مثل عمر العيساوي الذي مات سنة 1977م في اشتباك في مدينة السمارة، والعقيد اوسليم الذي مات في نفس السنة بئر انزران، والعقيد الخطابي الذي مات في توكات في نفس السنة.. إن تواجد الغجدامي في خطوط النار الحمراء كاد إن يكلفه حياته في أكثر من مرة، بل إنه في بعض الأحيان كاد يقع في الأسر. الوقوع في الأسر كان مخيفا بالنسبة للضبط المغاربة الكبار، خاصة بعدما شاهدوا صور النقيب الأسير الطاهيري الطاهر، أول أسير مغربي، على صفحات الجرائد وفي التلفزيون. فهِم الغجدامي الدرس جيدا. أصبح تكتيكه يعتمد على تحاشي الصدام المباشر مع المقاتلين الصحراويين والهروب من أمامهم، لكن من جهة أخرى كانت أوامرالدليمي القاسية تلهبه من الأعلى وتتوعده بالعقاب إن هو لم يتصادم مع البوليساريو مباشرة. كان الدليمي والحسن الثاني، خاصة بعد معركة أمغالا الثانية يوم 14 فبرائر 1976م، يريدان القضاء على البوليساريو في عمليات كبيرة وسريعة وينته الأمر. لا أحد من الرجلين كان يتصور مقاومة بهذا الشكل وهذه الشجاعة وهذه القدرة الفائقة على الحرب التي أبداها الصحراويون. تم توجيه الكثير من الفيالق الجرارة إلى الصحراء، لكن كان يتم اصطيادها بسهولة ويسر في تلك الصحراء. كانت وحدات البوليساريو حين تعلم إن وحدة مغربية جرارة تتوجه في رتل، بطريقة كلاسيكية، إلى مكان ما، تُكمن لها، ثم حين تصبح في المنتصف يتم استهداف سيارات المقدمة وسيارات المؤخرة فترتبك تلك القوة ولا تعرف هل تتقدم أم تتأخر. حين ترتبك القوة يتم الإجهاز عليها وإبادتها عن أخرها. الكثير من الفيالق المتحركة تمت إبادتها بآلياتها وجنودها كلية بتلك الطريقة المفاجئة السريعة قبل إن تتدخل النجدة. الكثير من تلك الفيالق لم يرجع منه حتى من يخبر إدارة الحرب بما وقع. بعد الهزائم الأولى التي لحقت بالقوات المغربية تم تشكيل فيالق متنقلة للنجدات، كل فيلق يغطي مساحة عملياتية محددة. أصبح القجدامي قائدا للفيلق المتحرك السادس للمشاة الميكانيكية RTMالذي يقاتل وينجد في نفس الوقت. كان القجدامي حين يحس أنه مستهدف وأن فيلقه المتحرك ستتم مهاجمته، كان يفكر أول ما يفكر فيه هو الهروب والنجاة بنفسه وبفيلقه حتى لا تتم إبادته. أعتمد أسلوب ونصيحة مورييه الفرنسي الذي هرب نحو موريتانيا بعد هزيمته في لقليب سنة 1913م..فحين تقترب وحدات البوليساريو أو يتم كشفها، وبدل أن يرسم الغجدامي خطة للتصادم والتعارك معها، كان يرسم خطة للهرب. أصبح أشهر قائد ميداني يهرب من المعركة أمام البوليساريو، وتمت حتى مكافأته من طرف الحسن الثاني في مرتين لإنه هرب. كان الحسن الثاني يبرر هروبه ذاك بأنه أنقذ القوات المغربية من إبادة محققة. يوم هروب الغجدامي عن الشاحنات لكن أشهر عملية هروب وأظرفها قام بها الغجدامي هي هروبه في الليل من معركة قرب سبخة أريدال في شهر جوان 1980م. فبعد استطلاع منطقة العرقوب في عمق الصحراء الغربية، غير بعيد عن الساحل، قررت نواحي الجنوب آنذاك- الثالثة والأولى والرابعة- أن تنفذ عملية عسكرية هناك. كانت العملية تستهدف القوة الت

يرجى تسجيل تعليقات ذات قيمة حتى يمكن ادراجها في الموقع الإبتساماتإخفاء