المرأة الصحراوية: عادات الزفاف و الخطوبة( دراسة يتبع)

Resultado de imagen de mujer saharaui" ينذبح السارق ما تكلمت العزبة" يعني " حتى لو ذُبح السارق أو المذنب فعلى العذراء إن لا تتكلم ولا تتدخل." مثل صحراوي

هذا المثل يختصر ما يريده المجتمع الصحراوي من الفتاة العذراء التي لم تتزوج بعد: إن تحافظ على صورتها التي يريد المجتمع أن يراها عليها مهما كانت الحال؛ فحتى لو تم قتل شخص أمام الفتاة العذراء فعليها التزام السكوت. من جهة ثانية يعني المثل أن البِكر في المجتمع الصحراوي لا دور لها ما عدا الحفاظ على عفتها وحشمتها. إن ما يريد هذا المثل إيصاله لنا هوانه حتى لو وقع ما وقع مِما هو خطير فعلى البِكر إن لا تتكلم ولا تتدخل.
يقول الصحراوين أيضا في مَثلٍ أخر " عزباء وتكزن" أي ( عذراء وتقرأ الكف أو تضرب الودع" ومعناه إنه شيء غريب ما بعده غرابة أن تجد عذراء جالسة بين ناس من مختلف الأعمار والأجناس من الذين تعرف والذين لا تعرف تقرأ لهم أكفهم وتقول لهم ما يخبئه لهم مستقبلهم.
    
حين تصل الفتاة إلى سن الزواج في المجتمع الصحراوي القديم( 14- 17 سنة) تقوم والدتها بإلباسها بزي النساء البالغات وهو الملحفة، ثم تبدأ تعلمها قواعد العفة والحشمة حتى قبل أن تتم خطوبتها. إن تحضير الفتاة التي بلغت سن الزواج يتركز على تعليمها واجبات وحقوق المرأة البالغة أو المتزوجة: كيف تُعامل أنسابها، ما هو واجبها اتجاه الضيوف والجيران وكيف تعاملهم وما هو واجبها اتجاه زوجها وكيف تتعامل معه. إن طريقة التعامل مع الزوج والأنساب هو أخطر ما يُعرض شخصية المرأة وشخصية أمها للتشويه؛ فمثلا إذا كانت الزوجة تعيش مع أنسابها أو حتى مع أهلها عليها إن لا تذكر زوجها باسمه، ولا تذهب إليه طواعية في الخيمة، لا تجلس معه منفردة، لا تأكل معه وإذا عاد من غيبة حتى لو كانت طويلة، عليها أن لا تسلم عليه أو تعانقه. وفي هذا الموضوع بالذات تظهر أهمية تربية الأم لابنتها( الزوجة المقبلة): فإذا أخطأت البنت في أي شيء بسيط من كل هذا وهي عند أنسابها فإن أول ما يقال هو " ينعل أمربيتها) أو " هذي مسيكينة لم تربيا أمها ".         
 من جهة ثانية تعرف البالغة في هذه الفترة دورها في المجتمع وتتعلم كل ما يجب أن تعرفه كل النساء من نسج وطبخ وطهي وحطب وحلب للماعز وما إلى ذلك مما هو مطلوب من كل امرأة متزوجة.

للخطوبة عند الصحراويين القدماء تقاليدها وطقوسها حتى تصبح رسمية. فطبقا للعادة، حين تصبح البنت بالغة وتلبس ملحفة، تبدأ وفود النساء الباحثات عن عرائس لأبنائهن تتوافد على عائلتها. ولا تتم الخطوبة إلا بعد إن تتأكد عائلة ما إن البنت المقصودة قد استكملت كل شروط الزوجة التي يُبحث عنها: العفة، الحشمة، الأخلاق الحميدة، الأصل إلخ.. إن النساء المكلفات بخِطبة بنت ما لا يخطبنها لمجرد السماع بها، بل يقمن بمعاينتها والتعرف عليها عند أهلها قبل طلب يدها. إن زيارة نساء لعائلة عندها بنات يعني في لغة المجتمع الصحراوي القديم احتمال خطوبة. فإذا قامت نساء بزيارة عائلة عندها بنات فإن الأم، وآلياً، توعز إلى بناتها إن يتزين ويحضرن أنفسهن للقاء الزائرات والحديث معهن وتقديم لهن الخدمات التي تقدم للضيوف. فأثناء الزيارة تكتفي الأم بالحديث مع الزائرات فقط ولا تقوم عادة بأي عمل، وتترك كل شيء لبناتها. ولا يقتصر تقْيِمُ البنت المنشودة للزواج على جانب وحد فقط: يتم تقييم جمالها، عفتها، عملها، أدبها وكل ما يجب إن يتوفر في زوجة المستقبل.
إن الزيارة هي امتحان صعب للبنت المحتملة خطوبتها؛ عليها إن تتقن آداب الحديث، تحسن خدمة الضيفات وتحاول، بطريقة غير مباشرة، أن تُظهر بعض مفاتنها التي يُطرب له الرجال الصحراويون مثل جمال السيقان والزُنُد والشعر الطويل والامتلاء و السمنة وجمال الأسنان.
الزائرات من جهتهن يتعاملن مع البنت بصرامة: لا يتركن أي شيء إلا ودوَّنه. وحسب بعض الأخبار المتواترة فإنه كانت هناك نساء معروفات في كل منطقة أو جهة يتم الاتكال عليهن في تقييم البنات قبل الزواج. بعد الزيارة كانت النساء، التي هن في الغالب عمات أو خالات أو أخوات أو مختصات، يجتمعن في خيمة إحداهن لتقييم البنت. ويشمل التقييم الجانب الجسماني والخلقي للبنت:" قالت كلمة في غير محلها"، " أمها لم تعلمها بما فيه الكفاية"، " ضحكت بسبب غير كافي"، " عينها اليمنى اصغر،"،" شعرها مجعد"؛ وكهذا يستمر التقييم حتى يأتي على كل كبيرة وصغيرة.
من جانب ثاني يتركز التقييم على الجانب العملي للبنت كربة بيت مستقبلا، فيقال مثلا" جلبت قدحا متسخا"، " أو طعامها غير مطبوخ بما فيه الكفاية" أو " تأخر إعداد الطعام عن الوقت المحدد". كل هذا يدخل في التقييم العام للبنت؛ وكما رأينا هو امتحان صعب حقا ومعقد. إن امتحان البنت المنشودة للزواج يؤكد الأهمية التي يوليها المجتمع للمرأة؛ فهي لا تُختار من أول نظرة أو من أول ضحكة، لكن تُختار حين تتوفر فيها شروط المجتمع الكثيرة.

إن اختيار امرأة للزواج يتم حسب شروط صحراوية بحتة. فإذا كان الإسلام قد حدد المواصفات التي تُخطب المرأة من أجلها، طبقا لحديث الرسول الأكرم: "تخطب المرأة لجمالها ولمالها ولدينها فأظفر بذات الدين تربت يداك"، فإن الصحراويين يبحثون أول ما يبحثون عنه هو العفة. إن المقاييس الصحراوية التي تضع العفة كأولوية يمكن إن نؤولها أنها تضع الدين في المقدمة طبقا للقاعدة السائدة التي تقول أن كل عفيفة هي متدينة وان الدين هو الأخلاق والعفة.                                                                                  

حسب الروايات الشفهية يوجد بعض الاختلاف البسيط في عادات أهل الصحراء المتعلقة بالخطوبة؛ فعند البعض تستطيع الأم وبعض القريبات إتمام الخطبة؛ أما عند البعض الآخر فإذا حازت البنت المنشودة للزواج على نقاط جيدة يوم التقييم، تذهب الأم في وفد من النساء إلى أهلها ويطلبن يدها، لكن مع ذلك الخطوبة لا تتم بطريقة رسمية ويمكن فسخها. إن السائد عند الكثير من الصحراويين إن تتم الخطوبة رسميا وتعلن من طرف الرجال؛ فبعد أن تعود الأم من عند عائلة البنت يتوجه الأب أو الأخ الأكبر أو العم في وفد من الرجال- إذا وُجدَ- إلى العائلة مرة أخرى ليتموا الخطوبة بصفة رسمية. حين يأتي وفد الرجال للخطوبة، تقوم عائلة البنت بذبح شاة أو كبش تكريما للزوار. إن ذبح كبش هو عادة يسميها الصحراويون قديما " واجب الطلفة" وترمز إلى ربط الأواصر بين العائلتين المتصاهرتين.في هذه العادة يوجد أيضا اختلاف بسيط؛ ففي  مناطق أخرى من الصحراء الخاطبون هم الذين يأتون بذبيحة يذبحونها بدل أن يقوم أهل العروس بذلك. وتتم المصاهرة طبقا للعرف الإسلامي المتفق عليه وبالعبارة التالية:" نطلب يد ابنتكم على سنة الله ورسوله لولدنا فلان."
بعد الخطبة يتم الاتفاق على المهر. والمهر عند المجتمع الصحراوي القديم له شروطه وطريقة تقديمه. يتم الاتفاق على تقديم المهر دفعتين: الدفعة الأولى في اليوم الأول من الزفاف، وتسمى "العقد"، وهي الأهم وتشمل كل ما هو أساسي لبناء الخيمة ولباس وتجهيز العروس والحاجيات الأساسية، أما الدفعة الثانية فيتم تقديمها فقط في حالة ما يقرر الزوج تطليق زوجته. حين تُطلق الزوجة تحتم العادة على الزوج إن يدفع الدفعة الثانية من المهر. أما حين أن تطلب الزوجة الطلاق ففي هذه الحالة تتخلى عن الدفعة الثانية من المهر، ويسمى تخليها عن الباقي من المهر " أجمج" أو قد تتخلى عنه أيضا إذا تعهد الزوج إن لا يتزوج بعد طلاقه منها. حين لا يلتزم الرجل بذلك، ويتزوج مرة أخرى، تستطيع الزوجة أن تطالبه بالباقي من المهر وتستطيع إن ترفعه إلى القضاء.

وحين يكون العريس فقيرا يطلب عادة من جماعة محترمة إن تتدخل وتطلب من عائلة الزوجة أن تخفف عنه المهر. ويسمى تخفيف كلفة المهر هذه ب"عرقوب الجماعة" لكنها نادرة جدا.    

يرجى تسجيل تعليقات ذات قيمة حتى يمكن ادراجها في الموقع الإبتساماتإخفاء