المقاومة الصحراوية السلمية: مينتو حيدار تدخل ذاكرة الانتفاضة ( دراسة تابع)

4- 
Resultado de imagen de ‫مينتو حيدار‬‎ربما تتذكر مينتو حيدار انها قالت في لحظة غضب:" العيون كلها في السجن لكحل." في رمزية إلى أن هذه المدينة أصبحت محاصرة عن أخرها. مرة أخرى قالت في السجن " تستطيعون قتلي لكن لا تستطيعون قتل أفكاري ومعتقداتي."
  
في واقع الأمر أصبحت العيون كلها، بفعل القمع، مدينة منكوبة تنزف دما ودمعا وتمسح جراحها الكثيرة.
بدأ شهر يونيو 2005م عاصفا بالانتفاضات التي يقابلها قمع بشع لا مثيل له في الصحراء الغربية. فمثلا في المظاهرة التي وقعت يوم 17 يونيو 2005م، على الساعة السابعة ونصف، قامت الشرطة بعملية بوليسية مخطط لها من قبل لاعتقال ثلاثة نشطاء من بين المتظاهرين تصفهم التقارير الأمنية بأنهم خطرون ويتحكمون في تحركات ومفاصل الشارع. كانت الشرطة تتابع تحركاتهم بدقة لتضبطهم ثلاثتهم في الشارع لتعتقلهم جملة واحدة.  االنشطاء الثلاثة هم امينتو حيدار وليدري الحسين وفاطمة عياش، هذه الأخيرة متهمة أن بيتها هو عش لقاءات قيادة الانتفاضة. وقع الثلاثة في الاعتقال في مظاهرة يوم 17 يونيو، وتم الانتقام منهم بوحشية مروعة في الشارع قبل أن يذهبوا إلى المعتقل. تعرضوا للضرب بقضبان من الحديد على الرؤوس والوجوه مع التعمد في استهداف العظام السهلة الكسر والخطيرة خاصة العمود الفقري والجمجمة. في عدة دقائق انتهت العملية الانتقامية وخلفت وراءها الثلاثة في الشارع يتخبطون في دمائهم في حالة إغماء تام.  حدثت مجزرة كبيرة تم تصويرها، وكانت أول صورة معبرة عن ما وقع من همجية هي صورة وجه الحقوقية مينتو حيدار الذي ظهر مهشما، غارقا في دمائه. أن تلك الصورة التي جابت العالم فضحت الخطاب المغربي المصدر إلى الخارج الذي يتباهى بالحديث عن مغرب حقوق الإنسان والديمقراطية، وعدم استعمال العنف. بعد نشر تلك الصورة فهم العالم أن تلك الشابة كانت تتظاهر سلميا مطالبة بحقها وحق شعبها، لكن تمت إجابتها بالعصا بدل الكلمة حتى حدث لوجهها ما رأى العالم من تكسير وتدمير.
الحدث الفظيع جعل الأضواء تسلط على مدينة العيون أكثر وعلى الشابة الضحية صاحبة الصورة. بدأ الحديث ساخنا عنها وعن الحدث من تلك اللحظة. فُتح ملفها النضالي فعرف العالم أن لها تاريخ طويل مع العمل الوطني الحقوقي؛ اعتقلت سنة 1987م وتم اختفاؤها لمدة ثلاثة سنوات دون أن ترى ولديها حياة ومحمد أو تستطيع أن تكمل دراستها. تعرضت لكل أنواع التعذيب، وبدأت حكايتها تصل إلى العالم على لسانها:" وضعوني في حوض من الماء الجامد ولا أعرف كم قضيت فيه. كانوا يضعون الجافيل على فمي وعيني حتى افقد الإحساس بالوجود وبالعالم حولي. لم أعد أعرف في أي يوم أنا وفي أي تاريخ. تساوى الليل والنهار، ولم يعد هناك ما يدل على أن هناك شخص بجانبي ما عدا الحارس الفظ."
    في يونيو 2001م وُضع منزلها تحت الرقابة السرية لإنها أصبحت خطيرة في نظر الاحتلال. اعتقلت مرة أخرى في 2002م، ثم وُضعت تحت الإقامة الجبرية العلنية حتى حدثت انتفاضة الاستقلال. ولعقابها أكثر مُنعت من السفر وحرمت من الحصول على جواز سفر لمدة سبعة عشر سنة. لكن ما حدث لها في 17يونيو 2005م جعلها تصبح رمزا وطنيا في وجدان وذاكرات الصحراويين. بعد التعذيب في الشارع تم حملها مع رفاقها الجرحى من طرف بعض المواطنين إلى المستشفى للعلاج وهم بين الحياة والموت. في المستشفى قام الأطباء بخياطة رأس مينتو حيدار بسبع عقد، بينما زميلها ليدري الحسين خُيط رأسه بخمس عقد. في الخارج كانت الشرطة تتحرى متى يخرجون للقبض عليهم. على الساعة الحادية عشر تم القبض عليهم في المستشفى قبل أن تجف جراحهم أو يتركوهم يغسلون دماءهم. في مخيمات اللاجئين دخلت الشابة البطلة أغاني وقصائد الشعراء وأصبح أسمها على كل لسان. الكل يتحدث عنها حتى الأطفال في المدارس والشوارع وفي كل مكان. انتقلت شهرتها إلى خارج الحدود. استطاعت أن تتخطى الحدود، وتفتح الكثير من العواصم حاملة علم بلدها في يدها وراسمة إشارة الانتصار.

إن انتصارات مينتو حيدار على المحتل المغربي جعلها بطلة عالمية. حصدت الكثير من الجوائز العالمية مثل جائزة خوان ماريا منديس الأسبانية، جائزة الحرية الأمريكية، جائزة الوردة الفضية الأوروبية، جائزة كاتلونيا، جائزة كندي الامريكية، وتم ارتفاع الكثير من الأصوات لترشيحها لنيل جائز نوبل للسلام، فهي على الأقل فازت بعدد من الجوائز أكثر مما فاز به أي فائز آخر بالجائزة في التاريخ. لقد وصلت شهرتها حتى قاعات مجلس الأمن في ديسمبر سنة 2009م حين خاضت إضرابا عن الطعام في جزيرة لانثروتي. فرغم أنها كانت وحيدة في مسرح الأحداث إلا أنها استطاعت أن تتغلب على دبلوماسية دولتين: الدبلوماسية الأسبانية والمغربية في آن. إن أسباب معركة جزيرة لانثروتي تعود إلى وجود اتفاق سري مُشمع ومدموغ بالأحمر بين وزارات داخلية وخارجية المغرب مع نظيراتهما في أسبانيا يقضي بإيجاد طريقة " مهذبة" يتم من خلالها تصفية\التملص\ التخلص من مينتو حيدار التي تعتبر، حسب وزارة الداخلية المغربية والمخزن، من أخطر العناصر الصحراوية التي تقود الانتفاضة وأصعبها مراسا. ولتنفيذ الاتفاق السري للغاية كان لا بد من إيجاد مبرر، ولو مفتعل، له. بالفعل وُجد\ خلق المبرر: تم منع مينتو من الدخول إلى العيون، بحجة إنها رفضت أن توقع على وثيقة تشهد فيها أن "الصحراء مغربية". أكثر من ذلك تم ترحيلها على متن نفس الطائرة إلى أسبانيا. وحتى تنكشف الاتفاقية السرية بين الحكومة الأسبانية والمملكة لمغربية، وجدت مينتو في انتظارها، بمجرد إن نزلت مطار جزيرة لانثروتي في أسبانيا، جملة من الإمتيازات لم يشهد التاريخ أن الحكومة الأسبانية منحتها لأي شخصية في العالم : اللجوء السياسي المريح، الجنسية الأسبانية، توفير كل الظروف الحياتية الرخية. لكن فشلت الخطة بسبب سخرية المناضلة المذكورة من كل ذلك. وليس فقط السخرية من الامتيازات الأسبانية، إنما، أكثر من ذلك، دخلت في إضراب عن الطعام تحت شعار: "أعود إلى العيون إما ميتة أو حية". إن ذلك التحدي للمناضلة مينتو جعل العالم كله، بما فيه القوى الكبرى، يلتفت إليها ولقضيتها. فبعد شهر من الإضراب والأضواء والأخبار استطاعت إن تعود غانمة إلى مدينتها المحتلة العيون مثل المنتصرين. إن ما قامت به مينتو، مثل بطولات سابقة قامت بها من قبل، سلط الضوء على جزء من قضية الشعب الصحراوي وأعطاها بعدا في العالم.              

يرجى تسجيل تعليقات ذات قيمة حتى يمكن ادراجها في الموقع الإبتساماتإخفاء