فيلق الشهيد الناجم التهليل: شباب تطوع لحسم الحرب فحسمه السلم

أنتهت الحرب وتكفل السلم بتفكيك ذلك الفيلق المميز 
في خضم انتظار  دخول ذلك الفيلق المدرب على بالمدرعات إلى ساحة القتال، وبعد خمس سنوات من التدريب والانتظار، أنتهت الحرب فجأة وتوقف القتال وحدث وقف إطلاق النار. في اليوم الذي سبق وقف إطلاق النار، يوم 5 سبتمبر، كان فيلق الناجم التهليل يقوم باستعراض في ولاية العيون- صورة الغلاف من ذلك الاستعراض- بمناسبة نهاية برنامج الشباب لصائفة 1991م.
مباشرة بعد وقف إطلاق النار تم توجيه فيلق الشهيد الناجم التهليل، بدون مدرعات قتالية، إلى بئر لحلو ليكون، هو وفيلق الشهيد لعروسي، نواة الناحية الخامسة مدرعات الجديدة\ القديمة.
لكن القرار جاء متأخرا كثيرا. جاء فقط بعد أن انتهت الحرب، وبدأ حماس أولئك الشبان يتلاشى ويخبو مع مرور الوقت. هزيمة معنوية كبيرة حلت بالفيلق. التواجد في صحراء بعيدة عن الحرب وعن الحياة لا يُطاق. الشبان في مقتبل العمر وإمكانياتهم كبيرة واحلامهم بلا حدود، والحياة لازالت أمامهم وسيكون من الصعب التواجد في ذلك المكان لسنوات أخرى في انتظار حرب قد لا تحدث إطلاقا. لم يطل الوقت حتى بدأ أولئك الشبان الذين تطوعوا ليحسموا الحرب، وتحولوا إلى فيلق دروع ضاربة يتذمرون من التواجد الممل في ذلك المكان، وبدؤوا ينظرون إلى آفاق أكثر رحابة. كانوا كلهم إطارات وقوة بشرية حية قوية، لكن تلك القوة والمؤهلات والحماس والرغبة في القتال بدأت تخمد شيئا فشيئا، وتكفل الوقت الذي لا يرحم بالقضاء عليها.

دون أن تعلم.. بعد عشر سنوات من تواجدهم في ذلك المكان في أنتظار حرب لم تبدأ بعد وقد لا تبدأ، بدؤوا يخرجون، واحدا تلو الآخر، في صمت وفي اتجاهات مختلفة. كبروا في السن، وبدأت أعباء الحياة التي خلفها السلم تمْسك بطاقاتهم وحماسهم وتركعهم. أبتلعتهم المؤسسات المدنية والعسكرية، وابتلعتهم الغربة، والأسواق وتاهوا في دروب طاحونة الحياة التي خلفها وقت السلم. لم يبق الكثير منهم في المكان الذي تتواجد فيه الناحية الخامسة. جاء شبان جدد، أحتلوا مكانهم ومواقعهم وتسلموا اسلحتهم، لكن لم يستطيعوا أن يكونوا مثلهم في حماسهم وفي اندفاعتهم ومؤهلاتهم. بقى اسم الفيلق شامخا، لكن الذين صنعوا ذلك الاسم أنصرفوا دون ضجيج ودون احتجاج على تلك المعاملة التي عُوملوا بها..

الفيلق رفع اسم وشأن كل قادته  
" إنه فيلق لا يحتاج إلى قيادة." كان هذا هو الانطباع الذي خرج به كل من تعامل مع فيلق الناجم التهليل منذ تواجده في مدرسة الشهيد الولي العسكرية إلى غاية حطه لرحاله في بئر لحلو. كان فيلق يستطيع أن يُسيير نفسه بنفسه ولا حاجة له بقيادة..
بسبب أنه فيلق تكون من عناصر مسؤولة ومثقفة وواعية ومتحمسة ومتطوعة كان تسييره في غاية السهولة.. لم يجد الذين تعاملوا مع الفيلق، أثناء التدريب الأساسي أو ما بعده، أية صعوبة تُذكر في الاشراف عليه. كان يشرف على نفسه بنفسه، وربما أن الذين تولوا قيادته عاشوا راحة تامة بسبب أنه فيلق بلا مشاكل وغير معقد. فسبب شهرة الفيلق وسهولة تسييره نجح كل القادة الذين توالوا على قيادته وحصلوا، فيما بعد، على شهرة كبيرة ومسئوليات أكبر في الدولة الصحراوية. تمت قراءة المعادلة من الخلف: المسؤلون في وزارة الدفاع التي كان الفيلق يتبع لها، وبدل من يسلموا أن قوة وتماسك عناصر الفيلق ومؤهلاته هي سر نجاحه وتفوقه، سلموا أن المسئولين الذين توالوا عليه هم الذين كانوا السبب في النجاح الذي حققه الفيلق فتمت ترقيتهم.   فنجاح الفيلق في تسيير نفسه خلق لقيادته نجاحا باهرا فيما بعد. فأول قائد للفيلق هو عبد الله لحبيب أصبح قائد ناحية ثم وزيرا للدفاع.
نفس الشيء حصل مع قادة كتائب ذلك الفيلق حين كان في قمة عطائه وحماسه وتواجده. فقائد الكتبية الاولى محمد محمد مولود اباعلي اباعلي أصبح قائد فيلق ثم أصبح رئيسا للمجلس الاستشاري، أما بيدلا برهيم فأصبح هو الآخر قائد ناحية، وأصبح اب يوسف إطارا عسكريا كبيرا في الجيش الصحراوي.. نفس الشيء حصل مع سيدي وغال وميه عمار؛ الأول أصبح قائد ناحية والثاني سفيرا. بالنسبة للمحافظين السياسيين الذين أشرفوا على الفيلق في البداية فقد تدرجوا هم كذلك إلى أعلى. فيوسف أحمد سالم أصبح عضوا بالمجلس الوطني ثم عضو الأمانة الوطنية مكلفا بالمحافظة السياسية، ومولاي احمد محمد احمد وصل إلى مركز أمين عام للحكومة الصحراوية ومديرا لجهاز الدرك الوطني.

رغم حسم السلم له، بقى الفيلق متماسكا معنويا
حاول فيلق الناجم التلهيل، رغم صعوبة الظروف ماديا ومعنويا، أن يواصل تواجده، رفقة فيلق الشهيد لعروسي، في مقر الناحية العسكرية الخامسة ببئر لحلو. كان أولئك الشبان يؤمنون أن الحرب هي التي ستحرر الصحراء المحتلة، وأن فترة السلم هي فترة عابرة لن تدوم طويلا، وان المعارك ستعود مثلما كانت في الماضي حتى يتم حسم المعركة.. هكذا كان أولئك الشبان يفكرون،

وكانت عقيدتهم في هذا الميدان هي أن الحرب لا بد منها.. بدأت السنوات تمر، والعمر يمر دون أن يتم إعلان الحرب من جديد. نسوا حتى استعمال الناقلات المدرعة، وبدؤوا فترات إعادة التدريب والتأهيل من جديد ظنا منهم أن الحرب، عاجلا أم آجلا، ستعود، وأنهم هم من سيشارك مشاركة كبيرة في حسمها.. حين لم تعود الحرب تفرق أولئك الشبان وهم يحسون أنهم خسروا الشهادة المدرسية وخسروا الشهادة في سبيل الوطن؛ لم يواصلوا الدراسة ولم يقاتلوا. كانت عملية التفرق إجبارية وقيصرية.  كانوا، كلهم، في أعماقهم، يريدون البقاء في نفس الفيلق، أصدقاء، أصحاب، عائلة واحدة عسكرية، شلة، مجموعة موحدة يحن بعضها إلى بعض ويقاتلون معا.
أول مرة في تاريخ جيش التحرير يتم خلق وحدة بشرية متحدة بالشكل الذي اتحد فيه عناصر فيلق الناجم التهليل.. ورغم تواجدهم وبعدهم وتباعدهم عن بعضهم البعض إلا أنهم بقوا متحدين معنويا، وبقوا يحنون إلى بعضهم البعض حنين الأشقاء المحتابين.

تم تشتت  الفيلق على كل المساحة التي يتواجد فيها الصحراويون: أصبحوا في إدرات الرابوني، في الوزرات، في المراسي، في النواحي، في قوافل التجارة، في المستشفيات، في الوزارات، في الجاليات، في الغربة؛ أصبحوا تجارا، مهاجرين، أطباء، صحفيين، رسامين، مواهب، فنانيين، لكن رغم هذا التفرق المادي والجسدي بقوا يحنون إلى بعضهم البعض. لم يستطيع التفرق والبعد أن يسلخهم من وحداتهم أو من فيلقهم أو من أصقائهم الذين تطوعوا في يوم واحد ليشاركوا في حسم الحرب ضد العدو..

ورغم مرور حوالي 16 سنة- منذ سنة 2001م- لازال شبان فيلق الشهيد الناجم التهليل، الذين أصبح الكثير منهم كهولا الآن، يحاولون أن يلملموا شتاتهم كلما كانت هناك فرصة. يجتمعون، يلتقون، يبحثون عن بعضهم البعض، وحتى أنهم طوروا من تجربة بحثهم عن شتاتهم وتمزقهم الإجباري، حيث أصبحوا يتواعدون على اللقاء للقيام بحملات عامة لصالح المواطنين في المؤسسات أو في المستشفيات.

بقى اسم ذلك الفيلق كرمز على تحدي وإصرار الشباب الصحراوي، ولازال أعضاؤه إلى اليوم يحسون أنهم، رغم كل ما حدث، يعيشون بعقلية الفيلق القديمة.
                                                                      

                    

يرجى تسجيل تعليقات ذات قيمة حتى يمكن ادراجها في الموقع الإبتساماتإخفاء