المرأة الصحراوية: أبْرَازْ (حفلة الطلاق)( دراسة يتبع)


Resultado de imagen de mujer saharaui
ما وصلنا من حكي شفهي للثقافة القديمة أوضح لنا أن الطلاق ليس عيبا عند المجتمع الصحراوي، والمطلقة ليست امرأة منبوذة مطرودة أو يتم التخلي عنها. ولا نقف هنا فقط ونضع نقطة النهاية، بل من هنا يجب أن نبدأ.؛ فأيضا كان الصحراويون يقيمون احتفالا للمطلقة بمناسبة عودتها وبمناسبة خروجها من العدة. فمباشرة بعد الطلاق تدخل المرأة فيما يسمى العدة، وهي أربعون يوما لا تخطب فيها ولا تتزوج. إن مدة الأربعين يوما هي المدة الكافية حتى يتم التأكد من أن المرأة ليست حاملا من زوجها الذي طلقها. ففي حالة ما تكون حاملا عليها أن تعود إلى زوجها حتى تنجب مولودها وبعد ذلك يمكنها الطلاق، أما إذا ظهر أنها ليست حاملا فتصبح حرة: تستطيع أن تتزوج من جديد.
بعد مرور أربعين يوما على إعلان الطلاق ينظم الصحراويون حفلة طلاق للمطلقة. إنه شيء يبدو شبه غريب نوعا ما، لكنه حقيقة. تُضرب خيمة كبيرة مثل خيمة الرق، يحضر لها الرجال والنساء حلى حد سواء. ومن أهداف إقامة حفلة الطلاق هذه: 1)- أن المجتمع يرحب بالمطلقة ويعتبرها فردا منه ولا ينبذها، و2)- يعطيها فرصة ثانية كي تتزوج وتبدأ حياة جديدة ويهنئها على طلاقها من ذلك الرجل "الظالم" غير "العادل"، و3)- تتخلص المرأة من الإحباط الذي يصيب الملطقات أحيانا. 
 إن حفلة الطلاق هذه تسمى أبراز( البروز أو الظهور أمام الناس) وتحضرها المرأة المطلقة في كامل زينتها: تضفر شعرها بطريقة خاصة، تلبس أجمل ملحفة وإزار لديها وتدخل محفوفة بصديقاتها وقريباتها. تجلس في منتصف الخيمة، في مكان يراها منه الحاضرون ثم يضعون قربها الطبل. يتزامن دخول إلى المرأة إلى الخيمة مع بداية الحفلة: تبدأ النساء ضرب الطبول والزغاريد والغناء:
يا سعد زين شباب تخلات   سالمة والراجل ما مات
( ما اسعد امرأة شابة جميلة طُلقت سالمة دون أن تترمل ( يموت زوجها).

إن بداية الحفلة يعني أن المرأة المطلقة بدأت مرحلة جديدة، وأن حياتها التي عاشتها مع ذلك الرجل " الظالم" أصبحت صفحة من الماضي. في بعض مناطق الصحراء تقوم النساء الحاضرات إلى "أبراز" بتشويه صورة الرجل السابق ورفع معنويات المرأة المطلقة كأن يقلن مثلا:" رجل ظالم ولا يستحقك"، " أنت أشب من نجمة الصبح وهو كاع بالي"، " يكتب عليك مولانا من هو أخير منو".

إن الخيمة المضروبة للمطلقة، بالإضافة إلى كونها خيمة للاحتفال بالطلاق، هي أيضا حبس مؤقت. فمن العادات المرتبطة بهذا الحدث أن المرأة يجب أن لا تخرج من خيمة أبراز حتى يأتي رجل ما ويخرجها منها. ففي حالة ما يكون هناك رجل يريد الزواج منها عليه أن يأتي إلى الخيمة وينحر جملا أمامها ويعلن أنه خلصها من حبسها. حين لا يأتي رجل ليتزوجها يقوم احد إخوتها أو أقاربها بنحر جمل أمام الخيمة فيخلصها.
حين يُنحر جمل أمام الخيمة تقوم المرأة بشق الطبل الموضوع بالقرب منها نصفين. في هذه اللحظة بالذات تبدأ حفلة أخرى في الخيمة احتفاء بإطلاق سراح المرأة. بعد شق الطبل تقوم بعض النساء عادة بسلب المرأة ما تملك من حلي وجواهر. إذا سُلبت المرأة حليها يصبح مفروضا على الرجل الذي نحر الجمل، إكراما لها، أن يشتري لها حليا جديدا وجواهرا عوضا لتك المسلوبة.
                                                      
حسب حكي الصحراويين عن عادة أبراز هناك اختلاف بين منطقة وأخرى. ففي حين يعتبر البعض أن ابراز يقام فقط بعد الطلاق الأول، يرى البعض الأخر أنه يقام كلما طُلقت المرأة ولو للمرة العاشرة.  
 بعد حفل " أبراز" تستطيع المرأة إن تتزوج وتبدأ حياة أخرى. فبعد الطلاق يعطي المجتمع الصحراوي للمرأة حرية أوسع؛ أي أنها بعد الطلاق الأول يصبح مصيرها في يدها: هي التي تختار زوجها القادم دون إن يعيب عليها المجتمع أو العادات ذلك.

إن ما يمكن أن نفهمه من إعطاء حرية أوسع للمرأة المطلقة في اختيار زوجها هو إن المجتمع يعتذر لها عن إخفاق الزواج الأول الذي كان الوالدين مسئولين عنه. الشيء الآخر إن المرأة الآن، بعد عيش تجربة زواج فاشلة، أصبح بمقدورها إن تميز بين الرجل الصالح لها وغيره، وأصبحت ناضجة بما فيه الكفاية لتتحمل مسئوليتها وحدها خاصة حين يتعلق الأمر بقرار مصيري مثل قرار الزواج.

يرجى تسجيل تعليقات ذات قيمة حتى يمكن ادراجها في الموقع الإبتساماتإخفاء