معادلة المقايضة وخطأ المخزن

 

منذ أربع سنوات ماضية، 



كان المغرب، بتائيد واعي وشيطاني من إسرائيل، متحمسا لحد الجنون والنرفزة لمقايضة تطبيعه العلني مع إسرائيل مقابل اعتراف امريكي ب"سيادته على الصحراء الغربية". كان هذا منذ أربع سنوات، وكانت حسابات المخزن المرتبكة والوهمية تعتقد، خطأ، أن ترامب سيفوز بفترتين رئاسيتين مدتهما ثماني سنوات، وهي مدة كافية لجعل " الإعتراف" الأمريكي بسيادة المغرب على الصحراء الغربية يترسخ بالوقت. لكن، كما نعلم كلنا، كان ترامب يرفض المقايضة ويرفض لقاء ملك المخزن، وبقى ينظر إليه بتعالي، وكان يرفض مصافحته ويعتبره كائنا ادميا غريبا لا أكثر ولا أقل. كان ترامب يضغط على المخزن كي يقوم بتطبيع مجاني بدون مقابل لأنه -ترامب- يرى أن أمريكا القوية يجب أن تأمر فتُطاع، وأن مملكة مهترئة مثل المغرب لا يمكن أن تقايض مع أمريكا. منذ شهور، حين تأكد المخزن أن ترامب سيخسر الإنتخابات، لم يعد لديه ذلك الحماس للمقايضة، وفقد شهوة التقرب من ترامب، لإنه متأكد أن تلك المقايضة التي يمكن أن تحدث في الدقائق الأخيرة، مآلها الفشل، وانها هدية مسمومة فقط، وأن ما يُحصل عليه بسرعة يمكن فقده بأسرع من ذلك. بدأ المخزن يرفع رأسه، وسمعنا الوزير الأول المغربي يقول: التطبيع خط احمر، والتطبيع في مرتبة الجريمة، وقضية فلسطين هي قضيتنا الأولى". لكن كل شيء تغير في الدقائق الأخيرة. مالذي حدث بالضبط؟ يبدو أن ترامب لعب لعبته في الوقت بدل الضائع بذكاء وعجرفة واحتقار للمخزن. دفع بالمغرب إلى مستنقع سوف لن يخرج منه ابدا ودون مقابل فعلا. حين خرج ترامب من البيت الأبيض وخسر الانتخابات، وفي لحظة غضب، لوى انف المخزن كي يطبع مع إسرائيل علنا، مقابل حفنة كلمات على تويتر لا تعني أي شيء وبلا سند قانوني، تقول إنه هو يعترف " بسيادة المخزن على الصحراء الغربية"، مقابل تطبيع مغربي مع إسرائيل. لنحلل طرفي معادلة المقايضة هذه: الطرف الأول وهو اعتراف ترامب ب" سيادة المغرب على الصحراء الغربية" هو قرار ارتجالي غير مدروس ويمكن شطبه في أية لحظة بقرار بسيط من طرف الإدارة القادمة، التي يخول لها الدستور ذلك، كما أنه قرار لا توافق عليه أي قوة غربية، ولا توافق عليه الأمم المتحدة، ولم يمر على الكونغرس، والكل أعلن عدم شرعيته وتنافيه مع القانون الدولي، وبالتالي فشطبه سهل، وقد يكون اسهل من إصداره. إذن، طرف معادلة المقايضة الأول يساوي صفر لأن خسائره على كل الأصعدة، حتى إذا حافظت عليه تبنته إدارة بايدن، ستكون أكثر من ربحه عشرات المرات. اعتراف ترامب ب" مغربية" الصحراء الغربية، اذا تبنته إدارة بايدن، سيجعل الدور الذي كانت تلعبه الولايات المتحدة، كطرف محايد ووسيط، في قضية الصحراء الغربية يضمر ويتقلص،  وستجد نفسها في مواجهة مفتوحة مع بقية دول مجلس الأمن، ولن يستمع أحد إليها، ولن يقبل لها أحد أن تصيغ مسودات القرارات الخاصة بالصحراء الغربية. من جهة ثانية، ستفقد الولايات المتحدة تقربها من القارة الأفريقية لأن الدول الكبرى في الإتحاد الأفريقي (جنوب إفريقيا، نيجيريا، الجزائر) ستبتعد عن الولايات المتحدة بسبب انحيازها في قضية قانونية عالمية يعتبرها الإتحاد الأفريقي خطاً أحمرا. لننتقل الى طرف معادلة المقايضة الثاني، هو تطبيع المغرب مع إسرائيل، وهو المستنقع الذي لن يستطيع المغرب الخروج منه، ولن يستطيع أي قرار أو سلطة حذفه لإن حتى بايدن يمكن أن يبقى يضغط على المغرب كي يواصل علاقاته العلنية مع إسرائيل، كما أن الإتحاد الأوروبي موافق عليه، والدول العربية المُطبعة موافقة عليه، وبالتالي سيظل المغرب حبيسا لذلك التطبيع الذي أصبح مرتبطا بتمويله المالي. ترامب نفسه، الذي يعتقد البعض إنه غبي، يعرف أن اعترافه " بسيادة المخزن على الصحراء الغربية"  يمكن شطبه بنفس السهولة التي كُتب بها في تويتر من طرف خلفه بايدن. أين تكمن خدعة ترامب للمخزن؟ تكمن خدعة ترامب للمخزن في أن إسرائيل ستتمكن من المخزن، وستفتح سفارتها في الرباط، وستغرز مخالبها في مفاصل الحياة في المغرب، وستجد دعما دوليا كبيرا لها كي يبقى التطبيع قائم، وقتها سيعرف المخزن حجم الورطة. النتيجة، هي أننا قد نسمع يوما ما بقرار أمريكي يشطب قرار ترامب، بينما لن نسمع إطلاقا قرارا  يشطب التطبيع بين المغرب وإسرائيل لأن الجميع يوافق عليه خاصة الدول العربية التي تمول المغرب، والدول الغربية، والمغرب لا يستطيع أن يقف في وجه الضغط. بالتالي، سنرجع الى نقطة البداية وهي ان التطبيع بين المغرب وإسرائيل سيكون بدون مقابل مثلما أراده ترامب أول الأمر.

السيد حمدي يحظيه

يرجى تسجيل تعليقات ذات قيمة حتى يمكن ادراجها في الموقع الإبتساماتإخفاء