ملحمة قلتة زمور: الحلقة الرابعة

 


الجميع يتحرك نحو المكان المحدد: قلتة زمور

حين توجهت القوة المدرعة نحو قلتة زمور، تم إشعار القيادة الميدانية لكل من الناحية الأولى والثانية والثالثة والرابعة وكتائب من الناحية الخامسة وفيلق المدفعية والسلاح الجوي أن الموعد هو قلتة زمور. الإشعار تم بالطريقة التقليدية وهو إرسال سيارة للنواحي. لم يتم استعمال الراديو أو " السلك" مثلما كانوا يسمونه خوفا من أقمار الكشف وتصنت العدو. فالعدو له إمكانيات رصد مواصلاتية هائلة ودقيقة، وإذا رصد مراسلات القيادات الميدانية الصحراوية ستفشل الخطة. بدأ التحضير بسرية تامة. كانت تلك النواحي تتواجد في أماكن بعيدة من قلتة زمور، لهذا كان عليها أن تزحف في الليل بدون أضواء نحو المكان. كل ناحية تم تحديد لها الجهة التي ستتمركز فيها وستهاجم منها، وتم تحديد اليوم: 12 أكتوبر 1981م فجرا. التاريخ يتزامن مع اليوم الوطني للوحدة الوطنية. كان القصد من اختيار هذا التاريخ هو: 1-تخليد تلك الذكرى التاريخية بعمل عسكري تاريخي؛ 2-يعتقد العدو، بالتجربة، أن القيادات الصحراوية الميدانية ستكون في المخيمات لحضور الاحتفال، ولن تقوم بعمل عسكري كبير؛ 3-هي رد على الحسن الثاني الذي تراجع عن الاستفتاء.

تحركت النواحي في يوم واحد، في الليل، دليلها النجوم التي كانت تلمع في ظلمة الليل الرهيبة تلك الأيام. أولئك المقاتلون، أسياد الحرب والصحراء والشجاعة، يسيرون في الظلام عيونهم وقلوبهم مفتوحة تنظر إلى الأمام. يقطعون عشرات الكلومترات في العتمة بدون أضواء وبدون دليل. يعرفون أرضهم ومجاهلها وأوديتها مثلما يعرفون أيديهم. شيء أدهش العالم وأدهش عدوهم حقا. سارت الناحية الأولى متجهة نحو قلتة زمور، حتى استقرت في غرب القلتة. أما الناحية الثانية القوية التي تشكل محور جيش التحرير الشعبي، فانطلقت تلك الليلة من "الرتمية" حتى وصلت إلى "آكّويليلات"، شمال الكّلتة. ستكون مهمة الناحية الثانية هي فتح الثغرة الشرقية لموقع القلتة بالآليات الضخمة في فجر يوم 12 اكتوبر. أما الناحية الثالثة فستتسلق المرتفعات الصعبة المحيطة بالمبنى من الجنوب الشرقي وتهبط نحو الأسفل.

لم تتمركز المفاجأة الأولى-سام 6-والمفاجأة الثانية-المدرعات-مع الوحدات القتالية الميدانية. تمركزت بمعزل عن بقية الوحدات. الكثير من المقاتلين الميدانيين، خاصة من الناحية الأولى والرابعة والثالثة، لم يكن لهم علم أن هناك مفاجآت ستقف إلى جانبهم وقت المعركة. أولئك المقاتلون الميدانيون البسطاء كانت صدورهم هي دروعهم، وبها انتصروا في كل الملاحم التي خاضوها. إنهم يعتمدون فقط على الإِقدام والاندفاعة والمبادرة، وكان نجاحهم في معاركهم يرتكز على مسؤوليتهم وثقتهم في الانتصار. ورغم أنهم، في وقت متأخر من الحرب، كانوا يحسون أن الطيران المغربي والدروع أصبحت تضايقهم إلا أنهم لم يتذمرون في أي يوم من الأيام، وبقوا يعتمدون على طريقتهم العادية وهي " لعمية." يعنون ب " لعمية" أنهم يهجمونُ، مغمضوا العيون على مواقع الاحتلال مثل العميان، وإذا فعلوا ذلك فالانتصار مضمون. كانوا يقتحمون الدبابات المغربية بلاندروفير وبالكلاش والبازوكا RBG7 فيغنمونها ويسوقونها أمامهم. كان ذلك الفعل هو قمة الإقدام والشجاعة، وهو فعل لم يقوم به جيش في التاريخ.

وصلت النواحي كلها في الوقت المناسب بدون أبسط خطأ. تم التمركز يوم الأحد 11 اكتوبر في ضواحي القلتة. كان يوم الأحد، وكان جنود الاحتلال في يوم يشبه عطلة نهاية الاسبوع. أصبحت القلتة محاصرة بنواحي جيش التحرير الشعبي الصحراوي، ومحاصرة بالمفاجآت من كل جهة. لم تمر أي طائرة ذلك اليوم، وكان الجميع ينتظر الظلام ليتحرك ليصبح في أقرب نقطة للموقع. يعرفون الموقع جيدا وقد سيطروا عليه أكثر من مرة، ويستطيعون السير نحوه مغمضي العيون. لقد هاجموه عشر مرات، وفي المعركة الأخيرة منذ خمسة أشهر حرروه ثم انسحبوا منه. 

حجم القوة التي ستهاجم هذه المرة ليس مثل حجمها في شهر مارس الماضي. ستكون معركة كبيرة تملأ العالم بالأخبار وتملأ السماء بالغبار والنار، ولن يخرج أحد من جنود العدو سالما. ستتصدر، أيضا، عناوين الصحف والرسائل والمناقشات الدولية، وستتدخل الولايات المتحدة وفرنسا وكل الدول الشريرة لتحاول فك شفرة ما حصل.

أحيطت القلتة بترسانة عسكرية صحراوية تدخل المعركة أول مرة في التاريخ. كان قادة الجيش المغربي يفتخرون باستعمالهم للمدرعات، ويقولون إن المقاتلين الصحراويين لن يستعملوها أبدا لأنهم سيقاتلون بها مثلما يقاتلون بالجِمال. رغم أن الجيش المغربي أمتلك الدبابات، لكن كانت لاندروفيرات تطاردها وتغنمها صالحة وجاهزة وتأسر أطقمها. كم من دبابة تم غنمها بواسطة لاندروفير أو بواسطة مقاتل يحمل كلاش فقط.  

حول القلتة تلك الليلة كانت هناك 11 دبابة من نوع T55، وهي دبابات معروفة بدقة رمايتها على الأهداف غير المباشرة. سيكون دور تلك الدبابات هي فتح الثغرات ودك حصون العدو بالقذائف المفاجئة. غير بعيد من مكان تواجد الدبابات كانت هناك حوالي 80 مدرعة قتالية جديدة. في شلخة اللبن كان صواريخ سام 6-المفاجأة-متجهة نحو السماء لتشارك في معركتها الأولى. 

وإذا كانت القلتة تلك الليلة محاصرة بالمفاجآت تنتظر الصباح فإن الذين يحاصرونها كانوا مرتاحي البال بعد وصول مدرعاتهم وكتائبهم إلى المكان المحدد في الوقت المناسب. لم يتم كشفها في الطريق، ولم يقم العدو بأي تحرك أو استطلاع، وبقي في خنادقه يحاصره الخوف. عادة، لا يعول المقاتلون الصحراويون كثيرا على الاستطلاع رغم أهميته. فإذا وصلوا إلى المكان المحدد دون أن ينكشف أمرهم فإن الباقي من المعركة سيكون سهلا: يبدأ الاقتحام السريع المنسق المدعوم بالقصف فيتشتت شمل العدو ويهرب غالبا. 

كيف توزعت النواحي؟

تقع قلتة زمور بين المرتفعات، ولا يمكن الوصول إليها إلا عن طريق الشرق أو الشمال الغربي. هذا يعني أن المعركة ستعتمد على فتح الطريق الشرقي وتقفل الطريق الغربي. ستقوم الناحية الثالثة بالدخول من الجنوب الشرقي وهي المنطقة وعرة، لكن تلك الناحية هي، أيضا، ناحية معروفة خلال الحرب بالقيام بمعارك في أماكن صعبة، وكانت دائما تعود منتصرة. ستتسلق الناحية الثالثة رؤوس اكويليلات وتتجه نحو القلعة بأسرع وقت ممكن. خلال الهجوم، ستقوم الناحية الثانية بدور المحور، وستقوم كتائبها المدرعة وكاسحات الغامها بفتح الشمال الشرقي المتجه شمالا انطلاقا من شلخة اللبن لتمر نحو المركز. من جهتها ستقوم الناحية الرابعة الخفيفة والسريعة بالدخول من الجنوب بسرعتها المعهودة. 

مهمة الناحية الأولى في تلك الملحمة ستكون هي الالتفاف وإقامة كمين لقوات العدو إذا هربت أو الإيقاع بأي قوة يمكن ان تأتي كنجدة. هي ناحية سريعة وصاعقة ومدمرة، وتقوم بمعركتها خلال ساعة أو أقل وتنسحب تاركة مواقع العدو حطاما ونيرانا ودخانا. تمركزت الناحية الأولى في ضواحي وادي اولويتيس، لكنها ستتحرك خلال المعركة للتأمين وستشل أي نجدة تأتي من بوكراع أو العيون، بينما ستقوم كتائب الناحية الخامسة بغلق الطريق، إيابا وذهابا، نحو السمارة. الناحية الخامسة معروفة بجاهزيتها للتصدي لأي قوة تأتي للنجدة لتشتت شملها. ولن تكتفي الناحية الخامسة بالكمين وغلق الطريق فقط، لكن ستسهل حركة النواحي أثناء الهجوم وتقدم الدعم. يتبع.

blog-sahara.blogspot.com.es

السيد حمدي يحظيه


يرجى تسجيل تعليقات ذات قيمة حتى يمكن ادراجها في الموقع الإبتساماتإخفاء