قصة أسر قائد طيران المغرب في الصحراء الغربية سنة 1978م: علي نجاب، رفضه الحسن الثاني وتجاهله محمد السادس، وتنكَّر لجميل الصحراويين (الحلقة 3من3)


 

بعد إطلاق سراحه، تجاهله محمد السادس 

حسب جريدة مغربية(1) بقي وضع على نجاب مثلما هو يوم وقع في الأسر. لا ترقية ولا امتيازات، ولا تقدم، ولا أي شيء، وزملاؤه الذين كانوا معه في الجيش أصبحوا عقداء."

حين كان في الأسر- في الحقيقة كان طليقا- عند الصحراويين، كان علي نجاب يحلم بالمجد إذا عاد، وربما حلم وهو في تلك الغرفة المكيفة في الرابوني أن يستقبله الملك الجديد، وأن يثقل صدره بالميداليات والنياشين، وأن يتم اعتباره بطلا وطنيا. لا شيء من كل هذا حصل أو حدث. في المطار لم يجد لا الملك ولا الوزير ولا أي أحد، وفقط كان هناك بعض الضباط الصغار الذين لا يعرفهم. من المطار حملوه إلى المستشفى، وخلال تواجده به ظل يحلم أن يزوره الملك أو رئيس الحكومة، وبعد خروجه لم يفارقه الحلم أن يستدعيه محمد السادس ذات يوم، لكن بدون جدوى. في الأخير اكتشف أنه كان مجرد رقم في مأساة طويلة وفي حرب قام هو بالجزء القذر منها، وحصل الملك على ثمن دمه هو وأمثاله. 

لم يترك نجاب أي باب إلا وطرقه، ولم يترك وسيلة للتذلل والتزلف إلا وقام بها عله يصل إلى القصر أو يحصل على تعويض وترقية يمحو بها عذاب تجربة دفعه إليها ملك يمتلك عشرين قصرا. 

الذين حاولوا الوقوف إلى جانب نجاب في محاولة تزلفه للقصر والملك كان مصيرهم السجن مثلما حدث للطيار الآخر قدور ترحزاز الذي حُكم عليه بالسجن لمدة اثنتي عشر سنة سجنا، لإنه كشف خدعة لجأ إليها المخزن في الطائرات التي كان يقاتل بها الجيش المغربي في الصحراء، وهي أنه نزع منها صواريخ الحماية فتحولت إلى أهداف غير محمية.

الخطأ 

المقاتلون الذين أسروا علي نجاب سلموه لقادتهم، وهم مرتاحو البال أن مجرم الحرب الذي قتل النساء في القصف سينال حقه؛ سلموه مثلما يقتضي البروتوكول، وعادوا إلى وحداتهم يقاتلون من جديد ويسقِطون طائرات جديدة ويأسرون طيارين جدد، وربما نسوا ما حدث لعلي نجاب.

لكن نجاب الذي كان يجب أن يعاقب مثلما أمر بذلك المقاتلون تحول إلى شبه ملك في الرابوني. كان شبه حر في الأسر، وكان يلتقي المسؤولين الصحراويين ويثقون فيه ويلعب معهم الورق، ويأكل معهم ويدرّس بعضهم الانجليزية، وكان يسكن في مسكن خاص به. تعاملوا معه تعاملا إنسانيا راقيا. في كل الحروب التي شارك فيها الطيران، كانت أقسى العقوبات تسلط على الطيارين المعاديين الذين يقعون في الأسر بسبب التدمير والقتل والخسائر التي يلحقونها بالبشر. في حالة علي نجاب الذي أمر بالمجازر- واحتمالا شارك فيها-، حدث العكس، وتلقى معاملة خاصة، وأعطيت له قيمة لم تعط لأي أسير مغربي آخر. كان حرا طليقا يخرج متى أراد، يدخل الوزرات ويخرج منها، يلتقي مع القيادة ويلعب معهم الورق، ويأكل معهم، ولا يطلب أي طلب إلا وتمت تلبيته له. ربما تم التعامل معه وفقا لمقولة: "ارحموا عزيز قوم ذل"، لكن سيأتي اليوم الذي سيخون فيه نجاب تلك المقولة، وسيأتي اليوم الذي يلبس الثعبان الجلد الذي تخلص منه في الربيع الماضي، وسيعود الحمار الذي حاولوا أن يجعلوا منه حصانا إلى أصله. رفع الصحراويون من قيمة علي نجاب، فكان هو وجه الاسرى المغاربة الناصع، وهو الناطق باسمهم، وهو الذي يلتقي الصحافة باسمهم ويتحدث عنهم، وفي الكثير من الفيديوهات والمقابلات والتقارير الصحفية كان يقول الحقيقة، ويعترف بحسن معاملة الصحراويين له والبقية الأسرى. ربما يكون الصحراويون بالغوا في الثقة التي منحوه، وربما أخطأوا في تقديرهم لعقليته المخزنية فظنوا أنه سيتغير. بدل أن يبقى قابعا في الزنزانة مثل كل الأسرى في الحرب، تمتع بوضع قرَّبه كثيرا من وضع قادة البوليساريو، فكان يركب معهم سياراتهم ويرافقهم، وكانوا يستمعون إليه وإلى تحليلاته كأنه واحد منهم. لقد تعلم أشياء كثيرة خلال المدة التي كان فيها أسيرا، واستفاد وقرأ كل الكتب التي أراد، وكانت كل طلباته تلبى على جناح السرعة. 

لكن بعد إطلاق سراحه وعودته إلى المغرب سنة 2003م، وحين خاب أمله في المجد الذي حلم به، وبعد أن اكتشف أن قيمته في بلده لا تختلف عن قيمة أي كلب في الشارع، أراد أن يبدأ من جديد. لم يجد من طريق تعيده إلى مسرح الأحداث إلا التحول إلى بوق للمخزن الذي تخلى عنه، والركوب على موجه تشويه الصحراويين الذين رفعوه فوق قدره، واعطوه مكانة لم يعطيها له ملكه الذي تنكر له، وحولوه من مرتبة طيار من طيارين المخزن كان يجب أن يُقتل جراء جرائمه الى شخصية لامعة. قد يكون العتب فيما حدث يقع على الصحراويين الذين نسوا أن نجاب هو خريج مدرسة المخزن، وأن دمه تم حقنه بفيروس الذل والتذلل والخضوع والركوع، وأنه من مدرسة لا عهد ولا كرامة لها، وأنه لا يستطيع أن يعيش بعيدا عن العبودية. لم يترك نجاب أية جهة إلا واتصل بها، ولم يترك أية منظمة إلا وراسلها، وذهب إلى الأمم المتحدة يوزع اكاذيبه، ويتحدث عن تعذيب وسوء معاملة لم يتعرض هو لها بكل تأكيد. يقال في المغرب أن علي نجاب الذي حلم بلقاء الملك، وحلم بالتتويج والبطولة، وجد في انتظاره رجال المخزن، وأنهم عرضوا امامه فيديوهات يشكر فيها البوليساريو، وأنهم عنفوه وعاقبوه على تصريحاته السابقة التي كان يشكر فيها الصحراويين وحسن معاملتهم للأسرى،  وأنهم طلبوا منه أن يقوم بحملة اعلامية مضادة يتبرأ فيها من كل ما قال سابقا. 

كتب كتابا يشوه فيه الصحراويين، لكن كل من قرأه ممن يعرف وضع علي نجاب حين كان أسيرا عند الصحراويين، سيصل إلى أن العنوان الحقيقي لذلك الكتاب هو: "كتاب نجاب الكذاب". (الأخيرة)

--

المراجع: 

Hebdo maroc 7/5/2014 1-

blog-sahara.blogspot.com.es 

السيد حمدي يحظيه 


يرجى تسجيل تعليقات ذات قيمة حتى يمكن ادراجها في الموقع الإبتساماتإخفاء