فترة جيمس بيكر وكوفي عنان: خطوة إلى الأمام وخطوة إلى الوراء


حين جاء كوفي عنان إلى رئاسة منظمة الأمم المتحدة في سنة 1997م، وجد أمامه إلحاحات وأحتجاجات البوليساريو التي تريد أن يكون الممثل الخاص من دولة قوية تستطيع أن تساعده في مهامه وتفرض تصوراته لحل القضية. والواقع أن البوليساريو أرادات أن تستغل وجود إدارة كلينتون في البيت الأبيض التي كانت – ولو ضمنيا- مسالمة وغير معجبة بالنظام في المغرب ولا تؤييد أحتلال الصحراء في العمق.. بلغة أخرى، كان إلحاح البوليساريو يعني في العمق،وبصراحة أنها تريد أن يكون الممثل الخاص من الولايات المتحدة الأمريكية.   


وبدل أن يعتمد كوفي عنان على ممثل خاص من بلد قوي أخترع منصب الممثل الشخصي للأمين العام وعيَّن جيمس بيكر، الأمريكي القوي، في هذه المهمة.. كان هذا، ظاهريا، إرضاء للبوليساريو، لكن في العمق، كان يريد الولايات المتحدة أن تفرض حلا مثل حكم ذاتي أو حل سياسي أو أي شيء من هذا القبيل. فقبل أن يعلن عن تعيين جيمس بيكر كمبعوث شخصي له إلى الصحراء الغربية بعث، له رسالة يوم 5 مارس 97م يقول له فيها:" إذا كنتم ترون إمكانية حل بديل وواعد للصراع فإنه مشرع لكم(...) على أن يتم التوصل إلى اتفاق سواء من خلال المفاوضات المباشرة، وهذا أفضل، أو بالطرق الدبلوماسية.. إن الاتفاق الذي يمكن التوصل إليه يجب أن يقود إلى استفتاء مراقب من طرف الأمم المتحدة (..) ويراعي قبول المغرب لمنح حكم ذاتي موسع للصحراء الغربية دون سائر أقاليم المملكة وإعطاء وضع خاص للبوليساريو وقياداتها".([1])ومن محتوى الرسالة نحس أن كوفي عنان بدأ معالجة الملف الصحراوي انطلاقا من ميلان واضح إلى طرح الطرف المغربي والفرنسي الخارجان عن الشرعية الدولية. من جهة ثانية، هو يريد أمريكا أن تفرض هذا الحل على الأرض بالاتكاء على جيمس بيكر لتنفيذ هذه المهمة.وحين لم يرد بيكر في الوقت المناسب، طلب عنان من أحد مستشاريه، هو البريطاني السيد مارك غولدين أن يذهب إلى هيوسطن بتكساس لإقناع بيكر بقبول منصب المبعوث الشخصي إلى الصحراء الغربية. لكن كوفي عنان لا يريد بيكر أن يذهب بدون تعليمات شخصية منه. لقد وضع أمامه سكة يسير عليها، وهي أن يبحث عن اتفاق مبني على منح حكم ذاتي للإقليم تحت السيادة المغربية. وحين قبل بيكر المنصب بدأ على أساس البحث عن حل بديل ، لكن مشكلته أن طرفي النزاع رفضا في البداية البحث عن خطة أخرى غير مخطط التسوية لأممي الإفريقي. حين زار بيكر المنطقة في العشرية الأخيرة من أبريل 1997م، بهدف اختصار الوقت وجس نوايا الطرفين، حول إمكانية البحث عن حل أخر للقضية، غير مخطط السلام المجمد، الذي لا يرغب المغرب في المضي فيه قدما ميانيا، تفاجأ بما لم يتطابق مع تصوره. كان بيكر يريد ان يعرض تصورا جديدا للحل، يحاول ان يجمع المعطيات القائمة على الأرض والقانون الدولي، لكن فكرته اصطدمت بمعطيات جديدة. حين التقى بيكر مع الحسن الثاني، طرح عليه السؤال التالي: هل يمكن ان نطبق مخطط السلام بمعقولية في صورته الحالية.؟ وإذا كان ذلك غير ممكن فما هو البديل.؟كان بيكر يعني بسؤاله، ان أمريكا تتوقع ان لا يكون الاستفتاء في صالح المغرب، وعلى هذا الأخير أن ينفض يده من مخطط السلام ويروج لبديل أخر. من جديد لجأ الحسن الثاني إلى خداع أمريكا، مثلما فعل سنة 1975م حين قال لها انه سيحسم القضية لصالحه في أسبوع.تفاجأ بيكر بجواب الحسن الثاني، القاطع والسريع، الذي يبدو انه لم يفكر فيه أو كان ينتظر مثله من بيكر. قال له الحسن الثاني، وهو يفتح عينيه على وسعهما- مثلما قال بيكر بعد ذلك-:" لا نريد إلا الاستفتاء وسنربحه في الأخير."([2])جواب الحسن الثاني القاطع الذي يستشف منه التحدي التام لبيكر أثار غضب هذا الأخير. بسرعة تحرك بيكر على الأرض وبدأ يصرح أن الاستفتاء لا يمكن أن يتم تطبيقه دون مفاوضات مباشرة بين الطرفين: المغرب والبوليساريو..هذا التوجه جعل البوليساريو تربح نقطة أخرى  لصالحها– بالإضافة إلى نقطة تعيين ممثل خاص من أمريكا- هي أن المغرب سيتعرف بها كتحصيل حاصل لجلوسها معه فوق طاولة المفاوضات المباشرة..لوى فعلا بيكر ذراع المغرب وفرض عليه التفاوض المباشر.. خلال ثلاث سنوات  (97- 99) حصلت المفاوضات المباشرة، وتم استئناف تحديد الهوية، لكن حين وصلت العملية إلى مفترق الطرق، نجح بوش الأب في أنتخابات أمريكا.  عدم حماس الإارة الأمريكية الجمهورية الجديد دعلت أن لا بيكر ولا كوفي عنان أصبحا متحمسان للذهاب بعيدا في الضغط على المغرب لقبول نتائج الاستفتاء التي رجحتها لائحة المصوتين لصالح الاستقلال. اختلق المغرب مسالة الطعون البسيطة فتوقف المسلسل كله عن الديناميكية، فرأى عنان أن الفرصة سانحة كي يتملص منه. ففي تقرير أصدره في 6ديسمبر 1999م بدأ الأمين العام غير متفائل مسبقا، والسبب" بدون شك هو أن بعض الدول المهيمنة، التي تكره تقرير المصير، تريد حماية نظام الملك الجديد الذي تتوسم فيه أن يغير طريقة والده، ويأخذ منعرجا جديدا نحو الديمقراطية"() ويحتاج لوقت. إن مثل هذا التفكير يريد ترك الوضع على ما هو عليه ، ويرى أن أي تغير على الوضع الراهن سياسيا قد يضيع هذه الفرصة.   ففي تقريره الصادر في 29فبراير 2000م، أطلق عنان رصاصة الرحمة على العملية السلمية المعقولة، وبدأ يروج لحل أخر سياسي أو حكم ذاتي أو ما إلى ذلك، موصيا مبعوثه الشخصي بيكر " بدراسة كل السبل من أجل التوصل إلى حل سريع." بدأ هو الأخر يرقص مع المغرب في نفس الدائرة، ويحرض مجلس الأمن من أجل إقناعه أن مخطط التسوية أصبح غير عملي. في الأخير تمكن من انتزاع قرار من المجلس صدر بتاريخ 26 جويلية 2000م، تحت رقم 1309 يقول" أنه على الأطراف أن يحاولوا الاتفاق على تسوية سياسية مقبولة لديهما معا."عاد بيكر لوصية عنان غداة تعيينه ، وبدأ من الصفر يبحث عن حل سياسي تدعمه الإدارة الأمريكية الجديدة يشبه الحكم الذاتي، يعطي السيادة للمغرب على الإقليم. في سنة 2001م تكونت لديه\ لدى أمريكا فكرة لا تحمل "اسم الحكم الذاتي" خجلا، لكنها مظلة ينضوي تحتها بكل تفاصيله.السيادة للمغرب والبقايا الرخصية للصحراويين. اخترع بيكر، المدعوم بتصفيقات عنان وفرنسا والمغرب وجورج بوش- خاصة هذا الاخير-، مشروعا سماه " الاتفاق الإطار"، وهو عملية تعطي كل رموز السيادة للمغرب، ولا تترك للصحراويين إلا فتات تسيير المحاكم والإدارات المحلية."حل" الاتفاق" الإطار يعطي للمغرب السيادة بكل رموزها مثل العلم، الطابع، التمثيل الخارجي، الدفاع والداخلية، وبالتالي لم يعط أي شيء للصحراويين. من يقرأ نص الاتفاق الإطار وبنوده، يستنتج أن بيكر يستهزأ فقط، وأنه غير جاد وأنه أعده كي يكون مخطط(أ)ويروم شيئا أخر. حسب قراءاتنا الشخصية للأتفاق الإطار، نظن إن بيكر أراد تقديمه فقط وفي ذهنه مخططه الثاني الذي سيقدمه لاحقا: مخطط بيكر الثاني( مخطط تقرير مصير شعب الصحراء الغربية). إن الاتفاق الإطار كان فقط حلا يوضع في الكفة الأخرى للكفة التي كان فيها الاستفتاء الذي فشل حتى يوازنه. فبيكر كان يعرف أن حل "الاتفاق الإطار" كان سيتم رفضه وبشدة من طرف البوليساريو، وبالتالي ستصبح عند بيكر حجة على الطرفين: يقول للمغرب انتم رفضتم الاستفتاء الذي من خياراته الاستقلال، ويقول للصحراويين أنتم رفضتم الحكم الذاتي- الاتفاق الإطار هو حكم ذاتي ضيق-، وبالتالي يجب إن نذهب إلى الوسط؛ أي نجد حلا وسطا يأخذ من الاستفتاء الذي رفض المغرب، ومن الاتفاق الإطار الذي رفضت البوليساريو، ونذهب إلى الوسط: حل فيه حكم ذاتي لمدى خمس سنوات يكون متبوعا باستفتاء.            
وجاء "الاتفاق الإطار" في ظرف كان فيه عنان يغازل فرنسا مرة أخرى كي يفوز بفترة ثانية في المبنى الأزرق. فاز كوفي عنان للمرة الثانية، لكن فرنسا هذه المرة لم ترفع الفيتو ولا البطاقة الحمراء، لكن كان ممثلها في الأمم المتحدة يقول أن " كوفي عنان هو أحسن أمين عام عرفه العالم."() وفرح المغرب كثيرا بالخطة، فصرح الملك الجديد يوم 4سبتمبر 2001م لجريدة Ie Figaro الفرنسية قائلا:" لقد سويت قضية الصحراء الغربية التي تسممنا منذ 25 سنة. فحتى نحصل على اعتراف مجلس الأمن بشرعية وسيادة المغرب على الصحراء الغربية، فقد عملنا بمشقة خلال 18 شهرا.. لقد توصلنا إلى أن حل عادل يوجد في إطار السيادة المغربية فقط."  [3]
وحين لم تنجح فكرة لاتفاق الإطار، بدأ كوفي عنان ينادي بحل سياسي للصراع دون أخذ بعين الاعتبار معطيات القضية القانونية والتاريخية والحقائق التي أوجد الصحراويون على الأرض.

[1] - رسالة كوفي عنان لبيكر بتاريخ 5 مارس 1907م – ارشيف اللجنة الصحراوية للاستفتاء
[2] - لقاء مع احد أعضاء الوفد الصحراوي المفاوض . انظر ايضا لقاء بيكر مع تلفزة بريطانيا الشعبية يوم 19 اوت 2004
[3] - -4سبتمبر 2001م جريدة Ie Figaro ا
2- مذكرة بيكر لمجلس الأمن 2004م 

يرجى تسجيل تعليقات ذات قيمة حتى يمكن ادراجها في الموقع الإبتساماتإخفاء