أ)صورة
المرأة في القول الشعبي الصحراوي
"
النساء عمائم االأجواد( النبلاء) ونعال الرذلاء"
قول صحراوي شائع. القول
يروم أن الرجل النبيل الكريم هو الذييجعل المرأة عمامة له؛ أي يضعها في مرتبة
متقدمة وعالية، بينما الرجل الرذيل الحقير هو الذي يجعل المرأة في مرتبة دنيا
ويعاملها بحقارة ويدوس عليها وعلى كرامتها.
قبل إن نلج هذا الموضوع الفرعي لا بد من
الاعتراف أن صعوبة كبيرة تواجه كل من يحاول البحث في تجليات الثقافة الصحراوية بصفة
عامة بسبب شفهيتها وعدم تدوينها. كما أن الصحراء بشساعتها وترامي أطرافها وتشتت الصحراويين
فيها قديما وصعوبة الاتصال بينهم يزيد من تنامي الاختلاف في تفاصيل الموروث
الثقافي. فمثلا قد تجد مثلا شائعا في
منطقة ما بينما يكون مجهولا في منطقة أخرى، او تجد حكاية تُحكى هنا، لكن تُحكى
بطريقة أخرى في مكان آخر. إن الاختلاف وارد في الكثير من الموروث الثقافي
الصحراوي، وحينما لا يضع الباحث هذه الإشكالية في الحسبان فمن الممكن أن يقع في
الكثير من التناقض والأخطاء.
إذا أردنا معرفة أي شيئ
عن صورة المرأة الصحراوية وأهمية الدور الذي لعبته في مجتمعها القديم لا بد أن
نعود إلى الحقل الثقافي كمنبع أول، مهم وملهم كي نجمع منه حطام تلك الصورة التي نبحث
عنها والتي لم نجد عنها شيئا كثيرا مكتوبا. إن عملا مثل هذا( جمع صورة المرأة
الصحراوية وأهمية دورها من الحقل الثقافي) يتطلب التنقيب في كل فروع الثقافة
الشعبية وبدقة وعدم جهل أو تجاوز أي مكون منها. فيقينا لا بد من البحث في الأدب
الشفهي الصحراوي المحكي، في العادات والأمثال والأقوال الشعبية وفي المعتقدات والطقوس
التي ظل الصحراويون يمارسونها ويعتقدون فيها إلى وقت قريب أو حتى إلى اليوم. إن أول
ما يخرج به الباحث من أول قراءة، حتى لو كانت سطحية، لأي موروث أو مكون أدبي شفهي
أو من تحليل لأي طقس أو عادة صحراوية هي حضور المرأة الكثيف، اللافت و البيِّن والذي
لا يحتاج لأدنى مجهود حتى يتم فك رموزه أو طلاسمه. ففي كل ما هو شفهي صحراوي أو في كل ما هو ثقافي شعبي
مثلما أعتدنا على تسميته( أدب، شعر، أمثال) تواجهنا ظاهرة وهي أن المرأة الصحراوية
أكثر حضورا من الرجل وصورتها أكثر ألقا من صورته. إن الذي نعرفه جميعا أنه حينما
يهتم شعراء وحكماء وأدباء أمة بشخص ويخلدونه في إنتاجهم فهذا لا يأتي من فراغ إنما
أن ذلك الشخص المخلد قد استحق أن يتم الحديث عنه وتخليده لقيامه بدور ما في الحياة
الجماعية لمجموعة بشرية ما. إن الذي سيفاجئ أي باحث أو مجرد قارئ بسيط للأدب والثقافة الصحراوية هو أن المرأة نالت الحظ
الأوفر من الذكر ومن الحضور ومن التميز. وبمفردات العصر الحالي نقول بتجرد كامل من
أي مبالغة واعية أن المرأة الصحراوية قديما قد أُسْنِد لها دور البطولة في الثقافة
والموروث الأدبي الشعبي الصحراوي. ففي كل ما وصل لنا بالتواتر من منتوج أدبي ثري،
كانت المرأة هي البطلة واللاعبة رقم واحد، وهي العمود الفقري للحكايات، القصص،
الأمثال والأحاجي الشعبية وفي الطقوس أيضا. إن الذي نستخلصه من حضور المرأة في كل صنوف
الإبداع الأدبي والثقافي الصحراوي هو انعكاس لمكانتها جد المعتبرة في مجتمعها
القديم والحديث.. ولم يقتصر حضورها على الأدب فقط بل نجد لها الكثير من الصور التي
تستلزم الوقوف عندها في العادات والتقاليد الصحراوية والطقوس وهو ما لم يحصل مع الرجل.
فمثلا حين نعالج
موضوع الأقوال الشعبية الصحراوية – أحبذ استعمال مصطلح القول الشعبي بدل المثل
الشعبي- لا بد نكتشف أن ما خُصص منها للمرأة هو أكثر منه بكثير ما تم تخصيصه للرجل.
فهناك قول صحراوي يجسد صبر المرأة يقول" لمرا تكد تبني ياسر من لخيام والراجل
ما إكد يبني وحدة." ( المرأة تستطيع أن تبني أكثر من خيمة في حين أن الرجل لا
يستطيع أن يبني واحدة.) والمُراد من هذا القول أن الرجل رغم قوته الجسدية وادعائه
التفوق على المرأة في كل شيء إلا أنه يفتقد قوة طبيعية أخرى لا تمتلكها إلا المرأة
هي قوة الصبر والجلد؛ فكما نعرف جميعا فإن نسج وصناعة خيمة من الوبر هو مهمة في
غاية الصعوبة والتعقيد وتحتاج زمنا طويلا من المعاناة وبرودة الأعصاب. وإذا كنا
نعتقد أن هذا ليس هو التفسير المقصود لهذا القول فغنه من جهة أخرى قد يعني، وهذا
هو الأرجح، أن المرأة بصبرها ولباقتها تستطيع أن تنظم وتتحكم في تسيير مخيم عائلة
كبيرة من الأبناء والبنات وهو ما لا يستطيع الرجل القيام.
وإذا كان الذين لا
يعرفون الصحراء ينظرون إلى المرأة في هذه المنطقة على أساس أنها في مرتبة أدنى من
مرتبة الرجل بحكم التخلف التقني، فإن الصحراويين، حسب ما وصل إلينا من أمثالهم
وأقوالهم ينظرون إلى المرأة على أساس أنها تقف كتفا كتف إلى جانب الرجل. فمن بين
ما يقولون عن الخيمة " أن الأب والأم هما الركيزتان، وأن الأبناء الذكور هم
أعمدة الخيمة التي ترفعها وأن البنات هن الأوتاد." وهذا القول الصحراوي يعكس
أن المجتمع الصحراوي البدوي كان ينظر إلى أن دور الرجل والمرأة في الخيمة على أساس
أنهما متساويان ؛ أي أن الرجل يمثل إحدى الركائز والمرأة تمثل الركيزة الثانية.
هذا يرمز إلى نوع من المساواة قد لا يكون بالضرورة ماديا مثلما هو حال الركيزتين
اللتين تقف عليهما الخيمة.
في قول آخر نجد ما
يلي:" للي شق الراجل ترقعو لمرا( ما يمزقه الرجل يمكن أن ترقعه المرأة"
أي ما أن أفسده الرجل في الأسرة يمكن أن تعالجه المرأة بصبرها وحنكتها"
وفي هذا القول يمكن
أن نستخلص إن دور المرأة في المجتمع الصحراوي هو دور بِناء وإصلاح على عكس الرجل
الذي قد لا يبالي بأشياء كثيرة في محيطه. وفي مكان آخر يقولون " خيمة ما فيها
امرأة يموت ضيفها من الجوع" ( خيمة لا توجد فيها امرأة سيموت ضيوفها من الجوع."
إن المعنى المضمر في هذا المثل هو أن أية خيمة لا توجد فيها امرأة فإن الحياة
والكرم وحسن الضيافة معدومة فيها. وحتى لو كان الرجل موجودا في الخيمة وموجود الأكل
وكل شيء إلا إن هناك بعض الخدمات المهمة التي لا تقوم بها إلا المرأة وحدها؛ إنه اعتراف
ضمني من طرف المجتمع أن دور العائلة لا يكتمل في المجتمع إلا بحضور المرأة.( يتبع)
يرجى تسجيل تعليقات ذات قيمة حتى يمكن ادراجها في الموقع الإبتساماتإخفاء