إن معالجة موضوع
المرأة في كل الأوقات وكل الأماكن والمجتمعات كانت دائما شائكة، وكانت مثار جدل
بلا نهاية غالبا. ففي قارة متقدمة تقنيا وثقافيا مثل أوروبا، أين تلعب المرأة
اليوم دورا مهما وتضع كتفها إلى جانب كتف الرجل، كانت المراة موضوع نقاش غير معقول
إطلاقا في مؤتمر عُقد في النمسا سنة 1885 هدفه الإجابة على السؤال التالي: هل
المرأة بشر أم لا. ؟
صحيح إنه إلى حد الآن
قد نجد في المجتمعات الموصوفة بالتخلف التقني، وحتى تلك المسماة بالشعوب النامية،
لازالت المرأة تعاني من الجهل وتخضع للتفسير الخطأ للدين وللعادات والتقاليد المتراكمة
من زمن والتي رسَّخت في ذهنها أنها هي الجنس الضعيف الخاضع للرجل القوي وللمجتمع وعليها
أن تبقى راضخة لكل ما يقول ويفعل المجتمع، خاصة الذكوري منه، دون المشاركة فيه.
وإذا كان هذا سائد
حقيقة أو افتراضا في الكثير من المجتمعات " المتخلفة" فإنه في مجتمعات
أخرى توصف بالتخلف أيضا نجد العكس: المرأة تتمتع بحرية أوسع ولها كلمتها، بل أنها
يمكن أن ترفع صوتها فوق صوت الرجل.
ففي مجتمع الطوارق
الذي يظن البعض انه، بسبب تأخره التقني وعيشته المستمرة في البادية، سيكون مجحفا
في حق المرأة، نجد صورة مختلفة تماما. ففي هذا المجتمع تتمتع المرأة بمكانة راقية جدا
قد لا يظن البعض أن امرأة بدوية تعيشها أبدا. إن تاريخ الطوارق يخبرنا أن أول مؤسس
لهذا المجتمع البدوي هي امرأة اسمها تينهنان، وان – حسب بن خلدون- الأجيال الأولى
من الطوارق كانت لا تنسب المولود لوالده ولا لعمه، بل لخاله المباشر. وحين يكبر
الطفل يبقى مع أخواله وتنقطع صلته بأعمامه. إن في هذا تمجيد كبير للمرأة وتقدير لم
تحظى به أية امرأة أخرى على مر الزمن. الظاهرة الأخرى ذات الصلة بمكانة المرأة الموجودة
عند الطوارق أيضا هي ما يتعلق بالنقاب واللثام. فإذا كانت مجتمعات كثيرة وعادات
وأديان تلزم المرأة بالنقاب وإخفاء الملامح فإن الأمر عند الطوارق معكوس تماما:
الرجال هم الذين يخفون وجوههم، بينما النساء يمشين سافرات الوجه والملامح. أكثر من
ذلك: حين يريد الطوارق تفسير ظاهرة النقاب عند الرجال فقط يرسمون للمراة صورة غاية
في التقدير والاحترام والشجاعة. فحسب ما هو متداول في تراث وأدب الطوراق الشفهي، انه
في إحدى المرات تمت مهاجمة تجمعا للطوارق في الصحراء من طرف قبائل أخرى، لكن حين
أبصر الرجال كثرة المهاجمين انسحبوا وتركوا نساءهم وأطفالهم خلفهم. لمًّا تفطنت
النساء أن رجالهن تركوهن في طريق العدو، نظمن مقاومة شديدة ضد المهاجمين انتهت
بانتصارهن. حين انقشع غبار المعركة، عاد رجال الطوارق، لكن دهشتهم كانت عظيمة حين
اكتشفوا أن نساءهم صددن العدو ودحرنه. وحتى يعاقبون أنفسهم ويكفرون عن ذنب فرارهم
أخرج الرجال سيوفهم وأعطوها للنساء وطلبوا منهن قطع رؤوسهم في الحال. رفضت النساء
قطع رؤوس الرجال، لكن بدل ذلك قلن لهم أنهم سيعاقبونهم عقابا تظل الأجيال تذكره
حتى نهاية الزمن. طلبوا منهم أن يخفون وجوههم باللثام، وان لا يخرج أي منهم مكشوف
الرأس أبدا. ورغم أن تفسير الظاهرة لا يختلف عن تفسير الشعوب البدوية للظواهر
الموجودة عندها إلا أن في تفسير الطوارق لها تقدير كبير للمرأة قلًّ مثيله في
التاريخ.
من جانب أخر لا يتبوأ
أي شخص مكان هام في مجتمع الطوارق إذا لم تكن أمه طارقية حرة سليلة طوارق؛ فحتى لو
كان والد الشخص طارقيا حرا وأمه غير ذلك فإنه لن يرشح لمنصب رئيس قبيلة أو يكلف
بمهمة شرفية في ميدان ما.
في موريتانيا، بلد أخر
محاذي جغرافيا للصحراء الغربية، أين تقطن ساكنة كانت توصف إلى وقت قريب بالبدوية،
نجد أن المرأة تتمتع باحترام وتقدير كبيرين من طرف المجتمع وبالخصوص من طرف الرجل.
في المجتمع المذكور نجد أن المرأة، خاصة البيظانية( البيضاء) لا تخضع لسلطة
العادات الاجتماعية المعقدة، والرجل لا يمارس عليها أي نوع من ضغط القوة التي يظن
الرجال أن الطبيعة أعطتهم لهم. فعلى عكس ما تتعرض له المرأة في مجتمعات أخرى من
سيطرة يفرضها الرجل والمجتمع، ومن قمع للعادات نجد أنها في موريتانيا تستطيع أن
تأمر الرجل وتوجه له الأوامر مثلما هي الحال في المجتمعات الغربية التي انعدمت
فيها، منذ زمن، ظاهرة سيطرة الرجل الجسمية والعقلية على المرأة. وليس هذا فحسب، بل
إن المرأة الموريتانية، خاصة الغنية، تلزم الرجل أن يُحضر لها خادما ( بَيُّ)
ليتكفل بشؤون المنزل وخدماتها هي، بينما لا تقوم هي بأي عمل ما عدا الاستماع
للغناء والتجوال. ورغم تقدم الزمن إلا أن المرأة الموريتانية حافظت على عادة أن
يكون عندها خادما خاصا بها وبمنزلها فقط.
وإذا كانت المرأة في
موريتانيا، البلد المحسوب شعبه على جغرافيا وثقافة الصحراء عموما، متحررة من ضغط
الرجل والعادات فإن نظيرتها في المغرب، البلد العريق كدولة، تعيش وضعا صعبا تفرضه
عليها سلطة الرجل وسلطة العادات والتقاليد السائدة في البلد المذكور. إن المرأة في
المغرب، خاصة المتزوجة، تتعرض للكثير من الإجحاف في حقها، فهي ملزمة بخدمة الرجل
خدمة لا تتوافق والكرامة. والمشكلة أن الثقافة الاجتماعية في المغرب تجعل الأسرة(
الأب والأم والإخوة) لا تحتج إذا اشتكت البنت من سوء المعاملة في بيت زوجها لأن
الأب والإخوة، أنفسهم، يعاملون زوجاتهم مثلما يعامل صهرهم ابنتهم. فالمرأة في
المجتمع المغربي حين تهرب من جحيم سطوة الرجل، وتلجأ إلى بيت أهلها تتم إعادتها
لزوجها بسهولة دون احتجاج أو اعتذار. في حالة المرأة المطلقة تُحرم من الرجوع إلى
بيت أهلها وتطرد للشارع.
يرجى تسجيل تعليقات ذات قيمة حتى يمكن ادراجها في الموقع الإبتساماتإخفاء