وإذا أردنا دراسة معالجة المعتقد الصحراوي الشعبي
لموضوع الأجنةوالفأل الحسن وتماسك الأسرة سنجد أن المرأة هي الحاضرة بقوة في هذا
الموضوع، بل نستطيع أن نقول أنها هي الوحيدة التي ركزت عليها المعتقدات. فبخصوص
موضوع الإنجاب والحمل وجنس المولود نجد أن المعتقد لصحراوي القديم كان يُحمل
المرأة، على عكس ما يقوله العلم، مسئولية هل الجنس ذكر أو أنثى.
وبسبب
قسوة الحياة في الصحراء، كانت لأسرة الصحراوية ككل أسرة في المجتمعات البدوية،
تطمح أول ما تطمح إليه هو إنجاب أكثر عدد من الذكور ليعينوا العائلة على مقاومة
الصحراء والقيام بأعبائها الكثيرة. وبتعبير أخر كان الصحراويون، خاصة الرجال،
يفضلون المرأة التي تنجب الأولاد الذكور على تلك التي تنجب الإناث. وحتى تنجب
الأسرة من الذكور أكثر منه من الإناث كانت المعتقدات الشعبية الصحراوية تركز على
المرأة في هذا المجال وتهمل الرجل. فمثلا حتى لا تنجب المرأة عددا كبيرا من الإناث،
كان الصحراويون يحثون المتزوجة حديثا على أن تقوم بأول زيارة لها إلى امرأة تنجب
الذكور فقط؛ وبالعكس، لا يجب أن تزورها في المرة الأولى امرأة تنجب الإناث فقط.
أكثر من ذلك، وكتفاؤل حسن، لا يجب أن تزورها مطلقة ولا ضرة لا ذات ضرة ولا أرملة.
وكمبالغة في الحيطة يصل الاعتقاد الشعبي الصحراوي إلى منع المتزوجة حديثا من لبس
لباس النساء المطلقات والضرات واللاتي ينجبن الإناث فقط أو ترك إحداهن تخيط لها
لباسها قبل مضي أربعين يوما على الزواج.
من
جانب آخر يمنع الصحراويون على المرأة الحامل رؤية المناظر القبيحة ويمنعون عليها
اشتهاء بعض الأشياء بعينها خاصة التي لا تستطيع الحصول عليها لإن ذلك يمكن أن يؤثر
على المولود. ومبالغة منهم في الاعتقاد يحثون المرأة الحامل أن لا تنظر إلى الناس
ذوي السحنة البشعة أو ذوي الإعاقات حتى لا يكون المولد ذي عاهة أو بشع المنظر، وأن
لا تنظر أيضا إلى النساء اللاتي ينجبن الإناث فقط. وحفاظا على سلامة المولود كان أهل
الحامل يوصون جيرانهم أن لا يذكروا أمامها خبرا سيئا ولا يرعبونها في المزاح ولا
يكذبون عليها، وحين تكون في شهرها الأخير( التاسع) من الحمل، كانوا ينزهونها في
الأماكن الجميلة والخضراء ويحكون عليها القصص الجميلة ومآثر الأبطال ويمنونها أن
المولود سيكون ذكرا اعتقادا منهم أن تكرار ذكر المولود الذكر أمام الحامل كفيل
بتغيير جنس المولود. إن في هذا اعتقاد راسخ أن ذلك يساعد على إنجاب أطفال ذكور سليمي
السحنة والخلق ويتمتعون بمواهب في الحياة.
حين
تستعصي الولادة على امرأة، كان أهلها يسألونها ما الذي تريدونهم إن يحضروا لها.؟
ففي تقديرهم إن المرأة، حين تشتهي شيئا ولا تجده، فإن ذلك يعسر لحظة ولادتها وهو
ما قد يعرض حياتها للخطر. في بعض الأحيان حين لا تطلب المرأة أي شيء كانت النساء
تُحضرن أمامها ذهبهن وحليهن لتتفرج عليها وتنتقي منها ما تريد.
إن
موضوع حضور المرأة في المعتقد الشعبي الخاص بالإنجاب هو موضوع طويل ولا يمكن
الإلمام به بالمرة. فالمرأة التي تنجب البنات فقط كان المجتمع الصحراوي ينظر إليها
نظرة غير طبيعية، لكن بالمقابل كان يعطف عليها. وحتى في حالة أن تكون غنية وميسورة
الحال، كانوا يتصدقون عليها ويقدمون إليها الزكاة.
إن
المجتمع الصحراوي القديم كان يعتقد انه يمكن أن يعالج ظاهرة إنجاب البنات عن طريق
تطبيق بعض الطقوس. فحين تكون المرأة التي تنجب البنات فقط حاملا، وخوفا من أن تنجب
بنتاً أخرى، كان محيطها يطلق إشاعة تقول إن زوجها سيتزوج عليها، وانه بدأ يشتري
المهر. إن ذلك، حسب المعتقد الصحراوي، كفيل بتغيير جنس المولود من أنثى إلى ذكر.
في
نفس السياق، وحين تنجب مرأة بنتين متتاليتين يبدأ الناس ينفرون منها ويعتقدون أنها
منحوسة، لكن في نفس الوقت لا يتركونها تواجه مصيرها لوحدها. كانت النساء تلجأ إلى
بعض المعتقدات ظنا منهن إن ذلك قد يساعدها على إنجاب أبناء ذكور في المرة القادمة.
من بين ما كانت تلجأ إليه النساء كان هناك معتقد ضفر الشعر بطريقة خاصة ولبس خلخال
واحد في الرجل اليمنى بدل لبس اثنين كما جرت العادة. في بعض مناطق الصحراء الأخرى
كانت المرأة التي تريد إنجاب الذكور تلجأ إلى شرب بول الناقة معتقدة، مثل مجتمعها،
أن ذلك قد يساعدها على إنجاب ول ذكر.
وفي
حالة ما تنجب المرأة، للمرة الثالثة على التوالي بنتاً، كان المجتمع يحتم عليها أن
تقضي يومها الأربعين عند عائلة لا تنجب إلا الذكور. وليس هذا فقط، بل إن أم
العائلة المستضيفة تتكفل بخرم أذن البنت المولودة حديثا وتضع لها قرطا فيها. أما
بعض العائلات فكانت حين يزداد عندها ثلاث بنات متتبعات تطلق على الثالثة اسم (يزانة(
يكفينا) أو اسم توفة بمعني ( تنتهي) أو وفية، وفي بعض الحالات وتيمنا بقدوم ذكر
تطلق العائلة على البنت الثالثة اسم ذكر مثل سالم وتبقى تحمل هذا الاسم الذكر حتى
يزداد عند العائلة مولود ذكر، وعندها تغير العائلة اسم البنت من سالم إلى السالمة.
أما
إذا أزداد ولد ذكر عند عائلة بعد مجموعة من البنات فإن ازدياده يكون حفلا كبيرا
ويتم تكريمه هو وتكريم أخته التي ازدادت قبله. إن البنت التي يزداد بعدها ولد ذكر
تعتبر من طرف العائلة بنتا محظوظة، وكتكريم لها وإظهار مكانتها تقوم والدتها بضفر لها
شعرها على شكل جدائل كثيرة تعلق عليها الكثير من الخرز والعقيق كتميز لها عن بقية
أخواتها. ولا ينتهي تكريم هذه البنت عند هذا الحد، بل أن والدتها تدخل لها يدها في
العكة( جلد مملوء بالعسل أو الدهن).
إن
المجتمع البدوي الصحراوي يتعلق كثيرا بالأبناء الذكور إلى درجة أن بعض الآباء كان
إذا أزداد عنده مولود ذكر كان ينحر له ناقة في اليوم الذي تتم فيه تسميته، بينما
البنت تتم تسميتها بذبائح فقط من الغنم. حين تكون عند العائلة أبناء ذكور فقط وتتبعهم
بنت في هذه الحالة ينحر لها والدها ناقة في يوم إطلاق الاسم عليها. في الواقع تحمل
هذه العادات، رغم أنها لم تكن شائعة كثيرا، بعضا من التمييز غير المبرر بين الذكر
والأنثى.. وحين نتحدث عن التمييز الذي كان يمارسه المجتمع الصحراوي قديما بتفضيل
الولد على البنت، والذي قد يكون موروثا من زمن الجاهلية ومن البقاء المستمر في
البادية، تستوقفنا الأقوال الشعبية التي تقال في البنت والولد عند ازديادهما؛ إذا
ازدادت بنت عند رجل يقول له أصحابه " طاحت عليه نوالة" ومعنى
"نوالة" في الحسانية هي المكان الذي تشعل فيه النار للطبخ او يمكن إن
تطلق على الخيمة الرثة الذي يسكن فيها الرعاة وينقلونها من مكان إلى أخر. وحسب بعض
التفسيرات المختلفة للمعنى الضمني الذي يجمع البنت ب"النوالة" فإن
المقصود هو أن سكن المرأة غير دائم مع أهلها وأنها ستنتقل في يوم من الأيام للسكن
مع زوجها وان المدة التي ستبقى فيها مع عائلتها لن تعيش في خيمة خاصة بها لكن في
نوالة فقط.
حين
يزداد عند عائلة ولد ذكر، يقول الناس " أهل فلان زادتهم خيمة"، وهنا
المعنى المراد من هذا التعبير الشعبي واضح جدا لإن الإبن الذكر حين يكبر ويتزوج
سيحمل زوجته إلى عائلته وسيضيف خيمة جديدة للمخيم ( المحصر أو لفريك) .
يرجى تسجيل تعليقات ذات قيمة حتى يمكن ادراجها في الموقع الإبتساماتإخفاء