ما يبدو جليا وواضحا
في الأدب الشعبي الصحراوي الشفهي هوالحضور المميز والقوي للمرأة الصحراوية كبطلة
في غالبية الحكايات والقصص الشعبية المتداولة. ففي معظم- إن لم نقل كل- الحكايات
الشعبية الطويلة التي كانت تتداولها الصحراء، وتنام على وقع حكيها، كانت المرأة هي
العنصر المحرك لها وهي البطلة. إن الذاكرة الشعبية الصحراوية وذاكرة الصحراء ذاتها
لازالت تتذكر حكايات مثل " سريسر ذهبو" الشابة التي ذهبت تبحث عن
إخوتها، وحكايات " عيشة أم النواجر" المرأة التي تتغلب على زوجها
بالحيلة، وحكايات " العاقلة ولفيسدة"، المرآتان المتزوجتان من رجل واحد،
حكايات " تيبة" المرأة التي تدعى معرفة كل شيء، وحكايات أخرى كثيرة
لازالت مدفونة في ذاكرة أخر الذين يحفظونها.
في كل هذه الحكايات الشعبية
الشائعة في الصحراء، وحتى في غيرها، نجد أن المرأة هي المرتكز والمحور فيها، وهي
التي تقوم بدور البطولة بدون منازع. إن لعب المرأة لدور البطولة في الأدب الصحراوي
الشفهي يعكس محورية وأهمية دورها في الحياة العامة لمجتمعها وشعبها، وأنها تستأهل
فعلا إن تُخلد في الثقافة والأدب. ففي آداب شعبية أخرى نجد صورة المرأة مختلفة
تماما عن ما هي عليه في الأدب الشعبي الشفهي الصحراوي. فصورة المرأة في آداب أخرى
نجد أنها هي امرأة تعيش وسط حريم عظيم، تسعى إلى اكتساب قوة ميتافيزيقية مثل السحر
والشعوذة للتغلب على زوجها أو غريماتها، أو هي امرأة بلا دور ما عدا خدمة الزوج.
في الأدب الصحراوي الشفهي لا نجد هذه الصورة، إنما نجد صورة جديدة للمرأة في الأدب
الشعبي: امرأة قادرة على التغلب على الرجال باستعمال العقل والتفكير أو قادرة على
العمل والخلق دون لجوء طبعا إلى السحر والشعوذة، أو امرأة حاضرة في الحياة حضورا
إيجابيا.
قصة\ أسطورة منت
مهلهل ومهايا
في التاريخ العربي
شاعت قصة حرب البسوس التي استمرت حوالي أربعين سنة، وكان سببها مقتل ناقة جرباء
تملكها أمرأة اسمها البسوس. كانت الناقة ترعى في مرعى إحدى القبائل فقتلوها وبسبب
مقتلها حدثت تلك الحرب الحمقاء التي مات فيها الآلاف. في تاريخ الصحراء الغربية\
تاريخ المجتمع الصحراوي يتحدث الشيوخ عن قصة\ اسطورة مماثلة لقصة البسوس. ففي
القديم- القرن الثالث عشر تقريبا- حدثت حرب بين حيين في الصحراء الغربية بسبب
امرأة. فحسب ما يُحكى كانت هناك امرأة سيدة في قومها يطعها الناس ويحترمونها اسمها
منت مهلهل – ربما يكون والدها يحمل اسم المهلهل سيد ربيعة الذي كان بطل حرب البسوس
في الجاهلية- وكانت متزوجة من رجل من حي آخر. مرة غضبت من زوجها وذهبت إلى خيام
عائلتها وبقيت هناك. حين أراد الزوج إرضائها بعث لها وفدا من صفوة قومه، فقالت هي
لهم: لن أعود إذا لم ينحر زوجي مئة ناقة من أجود نوق قومه". كان الشرط
تعجيزيا بالنسبة للوفد المفاوض فعاد إلى مرابعه. حين علمت هي بأن طلبها تم رفضه
ذهبت بنفسها وقامت بنحر مائة ناقة من إبل قوم زوجها. هاجمها الرعاة وقتلوها عند
موقع لازال يحمل اسمها إلى اليوم وهو موقع " سطيلة منت مهلهل" فقامت
بسبب مقتلها حرب استمرت سنوات.
أثناء الحرب وقع زعيم
قوم بنت مهلهل في الأسر، وكان سيبقى فيه لمدة سنوات لو لا تدخل امرأة أخرى اسمها
مهايا. حين علمت هذه الأخيرة أن زعيم ذلك الحي، وهو رجل مشهور، وقع في الأسر تدخلت
وفكت أسره وهي صاحبة الكلمة المشهورة: " هذا عزيز قوم ذل. أطلقوا
سراحه."
ولم تتوقف الحرب عند
إطلاق سراح زعيم قوم بنت مهلهل. نشبت من جديد وكان النصر هذه المرة حليف قوم بنت
مهلهل: أسروا الكثير من خصومهم وقرروا حبسهم حتى تُدفع لهم الفدية. لكن حين كان
المنتصرون يتفاوضون حول فدية كل أسير خرجت امرأة من صفوفهم ونزعت عن الملحفة عن
وجهها، وقالت لهم أن اسمها مهايا، وأنها من قوم الأسرى. حين عرفها زعيم قوم بنت
مهلهل( المنتصرين)- الأسير السابق- تذكر اليوم الذي أطلقت فيه سراحه حين وقع أسيرا
فقرر أن يرد لها الجميل ويطلق سراح كل الأسرى إكراما لها.
إن نموذج منت مهلهل
ومهايا يوضح أن المرأة الصحراوية، ومن أقصى التاريخ، كانت لها كلمتها وكانت صاحبة
رأى، ووصلت إلى مرتبة الزعامة في قومها وأهلها. فحين تتدخل امرأة وتطلق سراح
الأسرى وتفرض على قومها كلمتها فإن هذا يعني أن المرأة الصحراوية لم تكن صورتها
مثل الصورة التي يظنها عنها الأجانب: متخلفة ولا دور لها.
- حكاية سرسير
ذهبو ( رنين الذهب)
هذه الحكاية الشعبية
هي حكاية الصحراء بصفة عامة؛ فهي تُحكى في موريتانيا وفي الصحراء الغربية وحتى في
بعض مناطق صحراء الجزائر مع بعض الاختلافات التفصيلية هنا وهناك. كل هذه الحكايات
تتفق على شيء واحد هو جوهر الحكاية، لكن تختلف عند سرد التفاصيل. فأينما تُحكى هذه
القصة الشعبية نجد إن بطلتها دائما هي امرأة، وان محورها دائما ذاته وهو ذهاب فتاة
تبحث عن إخوتها التائهين في الصحراء. لكن إذا كان المحور والبطولة ثابتين فإن
التفاصيل، وحتى العنوان، يتباينان من منطقة إلى منطقة ومن جهة إلى أخرى. فحتى في
الصحراء الغربية نفسها نجد اختلافات بيِّنة في الحكي؛ فالبعض من الصحراويين يحكي
الحكاية هكذا: " أن البنت المسماة سريسر ذهبو تم اختطافها من طرف
قبيلة ما وتزويجها رغما عنها، وأن أخوتها علموا بمكانها فأرادوا استرجاعها، لكن
الذين يختطفونها علموا باقتراب الإخوة فأقاموا لهم كمينا للإيقاع بهم. تفطنت الفتاة
المسماة سريسر ذهبو للخدعة التي تنتظر إخوتها فأرادت أن تنبههم بالخطر
المحدق بهم. أخذت تقرص ابنها ليبكي ثم تظاهرت أنها تغني له ليسكت. بدأت تردد بصوت
مرتفع كي يسمعها إخوتها المختفون قريبا ينتظرون حلول الظلام ليعودوا بها. كانت
تغني وتقول:
أرريدا ياحمد
سيدي
ارريدا نفخو
المسقي
ارريدا خلوه متكي
ارريدا يا حمد
سيدي
هربوا هربوا
ارريدا والناس عدو
( أحمد سيدي هو أخوها
الأكبر وتقول له نفخوا المسقي،أي انفخوا القِرَبْ التي تُسقى بالماء. خلوه
متكي أي انفخوا القِرَبْ واتركوها مكانكم واهربوا.)
حين سمع الإخوة
الغناء، عرفوا صوت أختهم وفهموا الرسالة المشفرة التي يحمل فنفخوا القِرَبْ
وتركوها في مكانهم وانسحبوا.
إن هذا الغناء البسيط
في شكله يحمل دلالة كبيرة وهي إن المرأة تستطيع إن تتغلب على الرجال في الجانب
الذي يدعى فيه القوة وهو العقل. فهي تقول لهم بطريقة غير مباشرة: انفخوا القِرَبْ
ودعوها في أماكنكم لتُوهم العدو أنكم لا زلتم في مكانكم واهربوا ثم أهربوا لإن
الناس أعداء وسيفتكون بكم.."
البعض الآخر من
الصحراويين يسمي قصة " سريسر ذهبو" باسم " البند
والمخطاف" ويدور موضعها هي أيضا حول هروب إخوة بنت بعد أن أوهمتهم
الخادمة أن أمهم أنجبت ابنا.
هنا سنكتفي بسرد واحد
فقط. حسب تفاصيل الحكاية الشعبية " سريسر ذهبو"( رنين الذهب) فإن
عائلة تسكن الصحراء لها ثلاثة أبناء بالغين يعيشون مع والديهم. تطبيقا لمعتقد\
عادة صحراوية قديمة، كانت الأسرة إذا رزقت ثلاثة أطفال ذكور متتالين وجاء الرابع
ذكرا أيضا يهرب الكبار إلى وجهة وجهولة ولا يعودون إلا بعد أن تنجب أمهم بنتا.
كانت تعيش أيضا مع العائلة سيدة زنجية تعمل لهم كخادمة تسمى كنبة. حين حملت الأم
وحان حولها سرَّج الإخوة خيولهم وقالوا للخادمة: "إذا أنجبت أمنا بنتا ارفعي
العلم الأبيض لنعود، وإذا أنجبت ابنا ارفعي العلم الأحمر لنهرب."
ركبوا على خيولهم
ووقفوا على مرتفع قريب ينتظرون إشارة الخادمة. أنجبت الأم بنتا جملية، لكن
الخادمة، تحت وقع المفاجأة- حسب إحدى الروايات- وعمدا- حسب رواية أخرى-، بدل أن
ترفع العلم الأبيض للرجال كي يعودوا رفعت العلم الأحمر. حين أبصر الرجال العلم
الأحمر لكزوا خيولهم وابتلعتهم الصحراء في أسرع من حركة رمش عين. في الليل هبت
رياح قوية فمحت أثرهم كلية. لم يعرف الأب المسن ماذا يفعل فاستسلم للبكاء والحزن.
اختلف الناس في الوجهة التي سلكها الهاربون؛ البعض قال أنهم ذهبوا شرقا؛ آخرون
قالوا أنهم ذهبوا غربا؛ فريق ثالث قال أنهم ذهبوا جنوبا.
في اليوم السابع بعد
ميلادها أطلقوا على البنت اسم "سريسر ذهبو" لإن صوتها حين تضحك
يرن كالذهب حين تتماس قطعه. وحتى تكبر بسرعة بدأت أمها " تبلحها"
كل يوم. في وقت قصير صارت بنتا جميلة ذات صوت شجي رخيم يجذب كل من يستمع إليه. كان
كل يوم يمر ينبئ أن البنت ستكون جميلة وذكية. لكن جمالها ورخامة صوتها بدأ يجلب
لها بعض المتاعب مصدرها الغيرة؛ بدأت صديقاتها والبنات اللاتي يلعبن معها يغرن
منها. وللانتقام منها بدأن يعيِّرنها ويسخرن من هروب إخوتها عنها. وحتى يحطمنها
نفسيا كن يقلن لها" إن سبب هروب إخوتها عنها هو أنهم لا يحبونها." بدأت
البنت تتعب وتنهار نفسيا وجسديا حتى صارت حالتها سيئة جدا. لجأت أمها إلى العجائز
تستشيرهن ماذا عساها تفعل أمام ما حل بابنتها. أجمعت النساء أنه عليها أن تذهب
تبحث عن إخوتها وإلا فإن المرض سيتمكن منها ويقضي عليها. لكن المشكلة أن لا أحد
يعرف أين ذهب الإخوة وأية أرض ابتلعتهم؛ فالصحراء واسعة ولا توجد مدينة ولا مكان
يمكن أن يلجئوا إليه. في غمرة الحيرة قال لهم احد الشيوخ انه يمكنهم أن يضعوا قطعة
من لباس احدهم على أنف جمل مسن يعرفهم ويتركوه فقطعا سيهتدي إلى مكانهم. جهزت الأم
أكبر جمل عندهم: وضعت عليه الهودج ومستلزمات السفر، علقت على أنفه قطعة من ملابس
أحد الإخوة التائهين وطلبت من الخادمة، كنبة، أن تسافر مع سريسر ذهبو في
رحلة بحثها عن إخوتها في مجاهل الصحراء.
بعد يوم من السفر
الطويل في الصحراء، تأكدت الخادمة أن المخيم صار بعيدا جدا وأنه لا يمكن لأحد أن
يتبعهما. بدأت تترجى البنت وتقول لها: "لقد تعبت. من فضلك دعيني أركب فقط على
عرقوب الجمل." تركتها سريسر ذهبو تركب على عرقوب الجمل. بعد مدة، طلبت
منها أن تتركها تركب على ذيل الجمل. استجابت لطلبها وتركتها تركب على ذيله. بعد
مسافة أخرى، طلبت الخادمة من البنت أن تركب معها فوق ظهر الجمل. استجابت البنت مرة
أخرى لها وتركتها تركب معها فوق الهودج. وقت قصير بعد ذلك قامت الخادمة بدفع البنت
بالقوة من فوق ظهر الجمل لتسقط على الأرض. ولم تكتفي كنبة بهذا فقط، بل فرضت على
البنت أن تخدمها وتسهر على راحتها. واصلتا المسير: كنبة في الهودج، في الظل وسريسر
ذهبو ماشية على قدميها الحافيتين تحت شمس الصحراء ورياحها التي لا ترحم. وصلتا
إلى بركة من اللبن؛ أمرت كنبة البنت أن توقف الجمل عند البركة وتبدأ تطبخ الغذاء،
وان لا تدخل تحت ظل أية شجرة. نزعت كنبة ملابسها، وبدأت تستحم في البركة البيضاء.
حين خرجت صارت بشرتها بيضاء ناصعة وزال عنها اللون الأسود، أما سريسر ذهبو،
فبسبب الحرارة والشمس، فقد تحول لونها الجميل إلى لون أسمر. من جديد واصلتا
المسير؛ وصلتا هذه المرة إلى بركة سوداء من القطران؛ طلبت الخادمة من البنت أن
تنزع ملابسها وتستحم فيها. حين خرجت سريسر ذهبو من البركة، ساعة بعد ذلك،
كان لونها قد أصبح أسودا تماما مثل قطعة من الليل. ولم تكتفي كنبة بكل هذا، بل
طلبت من البنت أن تقص شعرها الطويل وتعطيه أياها. أخذت كنبة جدائل البنت المطرزة
بالجواهر والأحجار الكريمة وعلقتها على رأسها ثم أخذت شَعرها هي القصير وعلقته على
رأس البنت. أصبح من يرى المرآتان الآن- كنبة بشعر طويل وبشرة بيضاء ناصعة وسريسر ذهبو
ببشرة سوداء وشعر قصير- يظن أن البنت الحقيقية هي كنبة وأن سريسر ذهبو هي الخادمة.
في الطريق بان لهما مخيم من بعيد؛ أخذ الجمل يرغي فرحا ويسرع الخطى نحوه. أدركت
المرأتان أن هذا هو مخيم الإخوة المقصود. قبل أن يصلا إليه أخذت كنبة تهدد البنت
وتطلب منها أن تقول للرجال أنها هي( كنبة)
هي الأخت الحقيقية، وأن سرسر ذهبو هي الخادمة. وصلت الاثنتان إلى المخيم
الذي يقيم به الإخوة. حين أبصر احد الإخوة الجمل عرفه، فقال للآخرين: أنظروا. إنه
جمل والدنا." خرج الناس يستقبلونهما بالزغاريد والفرح. حين دخلتا إلى الخيمة
حكت عليهم كنبة، باكية ومولولة، القصة من بدايتها إلى نهايتها واضعة نفسها في مكان
الأخت الضحية. لم تستطيع سريسر ذهبو تحمًّل الصدمة فأصيبت بالبكم. عجزت عن
إخراج كلمة واحدة من فمها لتُدافع عن نفسها. استشاط الإخوة غضبا ثم قرروا معاقبة
البنت( أختهم)، ظنا منهم أنها هي فعلا الخادمة المذنبة؛ حبسوها في جب تحت الأرض في
المكان الذي ترعى فيه الخيول.
حل فصل الربيع، بدأت
النباتات تزهر والحشائش تطول. نبت أيضا شعر البنت الذي سبق للخادمة أن حلقته، وبدأ
يخرج من الجب ويصعد إلى أعلى مختلطا مع النباتات. في أحد الأيام، حين كانت الخيول
ترعى فوق الجب وتأكل الحشيش، سمعت صوتا جميلا يغني من تحت الأرض. كان الصوت يقول:
أها .أها يا خيل
خويا لا توكلوا زغب رأسي
اراهو زغب رأسي مع
لحشيش
كان الصوت شجيا جدا،
تماما مثل صوت قِطع الذهب حين تتماس. إن جمال الصوت جعل الخيول لا ترعى إلا في ذلك
المكان؛ أكثر من ذلك أصبحت حين تسمع غناء البنت من تحت الأرض تبدأ ترقص منتشية. في
يوم أخر أكتشف أحد الإخوة أن الخيول ترقص فذهب إلى المكان ليعرف ما سبب رقصها. لما
وصل إلى المكان سمع الصوت الشجي يخرج من تحت الأرض؛ تأثر كثيرا ثم ذهب إلى إخوته
وحكى عليهم الواقعة؛ رافقوه إلى المكان الذي يوجد فيه الجب من أجل سماع الصوت الذي
جعل الخيول ترقص؛ حين سمعوا صوت البنت تأثروا وأخرجوها من الجب؛ كانت المفاجأة
كبيرة: البنت، بسبب تواجدها الطويل في الظل، عادت بشرتها إلى لونها الحقيقي(
الأبيض) ونبت شعرها طويلا جميلا اسودا؛ اكتشفوا أيضا أنها أصبحت تتكلم بعد طول
صمم؛ طلبوا منها أن تحكي عليهم القصة بأكملها. أقاموا لها حفلة وعاقبوا الخادمة
الحقيقية في الجب.
هكذا تنتهي قصة سرسير
ذهبو أو إحدى قصصها التي تُروى هنا وهناك في الصحراء بتفاصيل مختلفة.
لقد وقع اختيارنا على
هذه القصة دون غيرها لأنها تحمل الكثير من الدلالات؛ فهي من جهة بطلتها دائما
امرأة وهذا يهمنا كثيرا في هذا البحث، ومن جهة ثانية قد ينظر إليها القارئ نظرة
ضيقة على أساس أنها تعكس بين سطورها واقع عنصري كان سائدا في الصحراء ضد الزنوج.
وإذا كانت هذه القصة يمكن أن تُقرأ سطحيا هكذا- عنصرية- فإننا من جانبنا نقرأها
قراءة أبعد من ذلك: تعكس صراع بين حضارتين حدث في القديم في المنطقة المعنية التي
كانت مسرح أحداث الرواية( الصحراء الغربية وموريتانيا)، صراع بين حضارة البيض (
البيظان) وحضارة السود القادمين من إفريقيا. إن المصادر التاريخية تؤكد أنه حدث هذا
الصراع فعلا؛ فالسود الأفارقة، منطلقين من السنغال ومالي، كانوا يريدون الزحف نحو
الشمال والاستقرار هناك. وتقول نفس المصادر أن تأسيس دولة المرابطين في موريتانيا
كان بهدف صد زحف سيقوم به السود نحو الشمال، لكن حين لم يحدث ذلك توجه المرابطون
شمالا، مرورا بالصحراء الغربية، ووصلوا إلى الأندلس.( يتبع)
يرجى تسجيل تعليقات ذات قيمة حتى يمكن ادراجها في الموقع الإبتساماتإخفاء