المرأة الصحراوية: العمل الجماعي( التويزة) (دراسة يتبع)

                     

Resultado de imagen de mujer sahara jaimaكلمة التويزة هي كلمة من اصل بربري وشائعة الاستعمال في كل شمال إفريقيا خاصة عند الأمازيغ والبربر والطوارق وتؤدي كلها إلى نفس المعنى وهو " العمل التعاوني لإنجاز مشروع ما" ويقوم بها الرجال والنساء على حد سواء.
في الصحراء الغربية تُحصر التويزة على عمل النساء التطوعي لإنجاز عمل ما يتطلب التعاون مثل نسج خيمة لعائلة جديدة أو نسج حصائر أو قطائف. إن العمل التطوعي لا غنى عنه عند مجتمع النساء الصحراويات لصعوبة المهمة المكلفات بها ولتعدد الخدمات اللاتي يقمن بها والتي لا يمكن إنجازها إلا بتعاون الجارات والقريبات والصديقات.
وبخلاصة كانت التويزة عملا شائعا بين فئات المجتمع، وكانت تنقسم إلى نوعين ؛ واحد خاص بالرجال والآخر خاص بالنساء، لكن اتويزة النساء هي الأكثر ذكرا وشهرة لإنها تقام على مدار السنة، أما تويزة الرجال فهي قليلة وموسمية وتنحصر على جني المحاصيل وجز وبر الغنم والإبل، وهذا النوع من العمل لا يحصل إلا مرة أو اثنتين في العام. إن تويزة النساء تتركز خاصة على نسج الخيام الجديدة أو نسج الحصائر والقطائف، وفي بعض مناطق الصحراء إذا كانت هناك عائلة عندها عدد من البنات في سن البلوغ تنادي أمهن الجارات ليساعدنها في ضفر شعرهن كلهن في يوم واحد. 
وبسبب تباعد المخيمات( الفركان او المحاصر) عن بعضها البعض وتشتت العائلات في الصحراء الشاسعة تجد النساء صعوبة في التنقل من مكان إلى آخر لمساعدة امرأة ما في تويزة معينة، ورغم كن يتنقلن من مخيم إلى آخر لمد يد المساعدة لأمرأة محتاجة لمساعدة. . في حالة ما تكون العائلة ساكنة وحدها في قفر ما يكون عمل المرأة أكثر صعوبة لأنها لن تجد من يشاركها في نسج خيمتها أو حصائرها أومن ينظم معها تويزة بسبب عدم التواصل. وفي عرف المجتمع إذا نادت امرأة جاراتها إلى تويزة يستجبن لدعوتها دون التذرع بأية حجة، والتي لا تحضر يقال لها " مارغة الجماعة"-خارجة عن الجماعة- أي أنها شبه منبوذة أو معنى من هذا القبيل. الشيء الآخر، وتبعا للعرف دائما، فأن ذهاب امرأة إلى تويزة جارة أو قريبة لا يحتاج إلى أذن من الزوج أو ولي الأمر، والمرأة تستطيع إن تذهب إلى أية تويزة دُعيت إليها دون مشكل، ويمكن أن تتغيب عن عائلتها يوما كاملا " من صباحها إلى مساها"( من الصباح الباكر إلى المساء). إن اتفاق المجتمع على السماح بذهاب المرأة إلى التويزة ومشاركتها مع النساء فيها دون أذن يرجع إلى إن التويزة هي عمل شبه إلزامي لإن كل امرأة ستجد نفسها مضطرة يوما ما إلى الاعتماد على مجهود النساء الآخريات لمشاركتها في إنجاز عمل ما.
وإذا كانت التويزة هي أساسا حملة عمل لمساعدة امرأة في شأن منزلي ما، فإن النساء المشاركات فيها يحولنها إلى حفلة صغيرة مسلية يلتقين فيها للحديث عن ما جدَّ في لفريك( مخيم صغير) أو في المحصر ( مخيم كبير) من أخبار ومستجدات. ففي اليوم المحدد للتويزة تلبس النساء أجمل ملابسهن ويتنيَّلن ويخرجن في أحسن هيئة كأنما هن ذاهبات إلى حفل زفاف. ومن النساء من تقوم بتجميل بناتها البالغات واصطحابهن معها إلي التويزة ليتعلمن منها ولتراهن النساء الأخريات ليتحدثن عنهن أمام الرجال الباحثين عن زوجات. من جهتها تقوم المرأة المضيفة، صاحبة العمل المراد إنجازه، باستقبال القادمات بالزغاريد والغناء وتقديم التمر والحليب لهن، وتقوم برشهن بالعطر وتدوير أفران البخور فوق رؤوسهن. ويبدأ العمل في جو مبهج يتخلله الغناء والزغاريد وسرد الأخبار الجديدة في المحيط خاصة ما يتعلق بالزواج والخطوبة والطلاق والحديث عن البنات الجميلات.                                              
وفي أعراف المجتمع الصحراوي فإن التويزة التي تنظم من طرف النساء تبقى حكرا عليهن؛ أي أن الرجال لا يتدخلون فيها ابسط تدخل ولا يشاركون فيها، بل أنهم لا يقتربون منها بتاتا ولا يأكلون من طعامها. ولا تقف إجراءات العادة هنا فقط، بل أن النساء يقمن برمي أي رجل يمر بالقرب من التويزة بكبة الخيوط، فإذا أصابته عليه أن يدفع غرامة مالية أو يشتري ذبيحة للنساء المشاركات فيها. في اليوم الذي تُقام فيه تويزة في مكان ما يتحاشى الرجال المرور من قربها خوفا من دفع الغرامة، وحتى الضيف- حتى لو لم يكن على علم بالتويزة- إذا مر وأصابته النساء بالكبة عليه أن يدفع الغرامة. وفي حالة ما يرفض رجل ما دفع الغرامة أو شراء ذبيحة تبقى دينا عليه حتى يدفعه.


وتستمر التويزة حتى ينتهي العمل الذي نُظمت من أجله. حين ينتهي العمل في التويزة تُقيم العائلة المستفيدة منها وليمة كبيرة تدعو إليها الجميع رجالا ونساء خاصة النساء المشاركات فيها. إن هدف هذه الوليمة، من جهة، هو إطعام المشاركات في العمل التطوعي، ومن جهة أخرى هو عملية " كشي"( قربان يبعد العين والحسد) أو تدشين للعمل الذي أُنجز في التويزة. وبعد الأكل، تقوم النساء بتحويل المكان إلى حفل مبهج للرقص والغناء احتفاء بالعمل المنجز وابتهاجا بالتغلب على كل الصعاب.                                  

يرجى تسجيل تعليقات ذات قيمة حتى يمكن ادراجها في الموقع الإبتساماتإخفاء