موت الجرس..( قصة قصيرة)

Resultado de imagen de ‫مخيمات اللاجئين الصحراويين‬‎كان الجرس مُهماً كثيرا في حياة مخيمنا. كنا نستيقظ على صوته وكنا على ذات الصوت، الذي يشبه أصوات أجراس الكنائس، ننام.  الحقيقة هو ليس جرسا مثلما قد يتخيل أي أحد لا يعرف مخيماتنا. إنه إطار لشاحنة عسكرية غنيمة من الحرب؛ كبير، صدئ، وكان هو الشيء الوحيد الذي غلب الشمس في المخيم. كان استعماله في منتهى البساطة أيضا. إنه لا يحتاج إلى أي شيء ما عدا الضرب عليه بحجرة موضوعة على جانبه تزن حوالي كلغ واحد. الحجرة التي تعذب الجرس ليست هي دائما. يسرقها الأطفال أحيانا ويرمونها بعيدا فيغضب الشيخ الحارس ضارب الجرس ويأتي بأخرى. في النهاية، بعد تكرار عمليات سرق الحجرة، أصبح الحارس يضعها عند رأسه حين ينام.      
ذات مرة سمعنا الجرس في المساء فتوجهنا- نحن سكان المخيم كلنا كالعادة- إلى الإدارة. قال لنا مسئول المخيم أنه "علينا إن نكون عند الإدارة في الساعة الخامسة صباحا، لدى سماع الجرس، كي نستقبل وفدا رفيع المستوى جاء لزيارة مخيمنا.."
نمنا، لكن المشكلة أن لا أحدا ضرب الجرس في ذلك اليوم على الساعة الخامسة. بقينا نياما، ونام المسئول أيضا، ولم نستيقظ إلا على الساعة التاسعة بعد أن أحرقت الشمس أكتافنا وجباهنا. ذهبنا إلى الإدارة لنسأل الحارس المكلف بضرب الجرس، فكانت المفاجأة: لقد مرضَ الحارس بالليل وذهبوا به للمستشفى. كل سكان المخيم علموا بالخبر فذهبوا يزرون الشيخ في المستشفى. تذكروا أنه مهم في حياتهم، وأنهم لو فقدوه فستكون مشكلة. في المساء سمعنا الجرس فذهبنا إلى الإدارة. كان هناك اجتماع طارئ لتقييم زيارة الوفد الأجنبي.. لم يكن الشيخ، ضارب الجرس، قد عاد بعد، لكن كان هناك شيخ جديد تم تكليفه من قِبل مسئول المخيم بضرب الجرس. انشغل المخيم بروتينيه من جديد، وكان ينسى، يوما بعد يوم، الشيخ المريض في المستشفى وينسى اسمه حتى توفى دون إن يعلم به أحد.

مرت عدة سنوات. في يوم آخر لم يضرب أحد الجرس فلم نستيقظ. توجهنا إلى الإدارة فاكتشفنا الخبر اليقين: سبحان مغير الأحوال. الشيخ الذي كان منسياَ ويضرب الجرس، جاءته سيارة في الليل وأخبرته إن اسمه ورد في لوائح المتقاعدين من الجيش الأسباني، وان عليه إن يذهب معهم كي يحصل على أمواله الطائلة. اختفى ذلك الشيخ، ولم نعد نراه إلا في سيارة فاخرة ودراعة جديدة. بدأ المخيم يتحدث عنه بإعجاب" اسمه عمار، كان سرخينتو في الجيش الأسباني. سيحصل على الكثير من الأموال."
عيَّن مسئول المخيم شيخا آخرا حارسا في مكان الذي صار غنياً. عدنا إلى روتين حياتنا العادية. مرت سنوات أخرى، فتكرر نفس الشيء: لم نستيقظ ذات يوم بسبب عدم ضربِ الجرس، وحين ذهبنا قالوا لنا إن الشيخ الذي كان يضرب الجرس استدعته الأمم المتحدة كي يعمل معها، فهو أصلا شيخ مهم، بل هو واحد من كبار الشيوخ.
لم يستطيع مسئول المخيم هذه المرة تعيين أي شيخ آخر. كلهم قالوا أنهم لا يستطيعون القيام بهذا العمل الصعب. في الأخير، وحين لم يجدوا ما يبررون به رفضهم لهذه المهمة، طلبوا أجرا شهريا يتقاضونه في اليوم الأخير من كل شهر. لم يتوصلوا مع الإدارة إلى اتفاق. النتيجة، إن مسئول المخيم توصل إلى فكرة غريبة. فحتى يضمن حضور الناس إلى الإدارة كلما أراد، أتصل بلجنة صداقة في الخارج، وطلب منها إن تبعث له ميكروفونات وخلايا طاقة شمسية.
في أحد الأيام تفاجأنا بصوت كبير صادر من الإدارة يطلبنا للحضور للقيام بحملة شعبية. كان الصوت واضحا وجليا ودخل كل الخيام. توافد سكان مخيمنا إلى المكان بسرعة. قبل أن يتحدث لنا المسئول عن أهمية الحملة التي سنقوم بها قال لنا:" إن الجرس القديم لم يعد يُستعمل، وان البوق حل محله."
وحين كان مسئول المخيم يشرح كذا وماذا عن أهمية البوق، وكيف يُستعمل، كان سكان المخيم يتحلقون حول الجرس القديم الذي بقى معلقا في مكانه. كانوا يلمسونه ويسألون عنه، ويتذكرون كل الشيوخ الذين مروا عليه. كانوا يدورون حوله كأنما يشيعونه إلى مثواه الأخير.







يرجى تسجيل تعليقات ذات قيمة حتى يمكن ادراجها في الموقع الإبتساماتإخفاء