مرَّ عام على رحيل مريم الحسان، صوت الصحراويين (ا)


Resultado de imagen de mariem hassanليس سخرية قدر طبعا إن تتحول امرأة إلى صوت وطن؛ إلى صوت كل الصحراويين؛ إلى صوت شعب بأكلمه أينما تواجد: في مخيمات اللاجئين، في المدن المحتلة، في البادية وفي الشتات. كل الصحراويين يعترفون بأن صوت المطربة مريم الحسان هو صوتهم كلهم. هي أيضا- مريم- قد تكون أشهر مطربة عرفها تاريخ الصحراء كله، تاريخ الصحراء الغربية، وهي اشهر من قاوم بالكلمة واللحن وضحى تضحيات كبيرة من أجل وطنه. إن صوت مريم الحسان كان هو، ربما، الصوت الوحيد الذي استطاع أن يهزم صمت الصحراء الرهيب الذي لا نهاية له. ولم يهزم صوتها فقط الصحراء إنما هزم صمت الحمادة وصمت اللجوء الرتيب الرهيب. كل الصحراويين يعرفون مريم ويطربون لصوتها المتفرد الذي لم يعرفون له مثيلا في تاريخهم.
إن قصة حياة مريم أو، بتعبير آخر، قصة صوت الصحراويين، قصة صوتها ونغمها لم تكن قصة حياة أية مطربة عاشت حياتها في برج عاجي أو في مدينة من الزجاج الأزرق. لم تكن أيضا قصة حياة مطربة تجمع المال من فنها وأغنياتها وحفلاتها. كانت مريم واحدة من النساء الصحراويات القليلات اللاتي دفعن ثمنا غاليا من أجل الدفاع عن القضية الصحراوية، عن الوطن وعن الشعب الصحراوي.
إذا كانت مريم فعلا قد هزمت صمت الصحراء الرهيب بصوتها وانتصرت عليه؛ إذا كانت غنت لها وسلت رعونتها بصوتها، فإنها من جهة أخرى أحبتها بكل ما تستطيع وأحبت سكانها. .
ولم تخوض المطربة النابهة والموهوبة مريم معركة شرسة ضد صمت الصحراء فقط إنما خاضتها أيضا الاحتلال والنسيان. لم تكن معركة مريم مع الصمت والاحتلال مجرد تسلية. كان على المطربة أن تدفع الثمن غاليا، ليس فقط من عرقها وتعبها وجهدها إنما من دم إخوتها الذين استشهدوا. في حقيقة الأمر إن كل النساء الصحراويات دفعن ثمنا غاليا في حرب التحرير. كلهن تقريبا دون تمييز فقدن شهيدا أو أكثر( أخ، زوج، أب، قريب) في المعركة أو سجن لهن قريب ومات في السجن، لكن مريم هي واحدة من القليلات اللاتي فقدن أكثر من أخ في المعركة. فقدت مريم في حرب التحرير ثلاثة إخوة أعزاء عليها. ولم يكونوا مقاتلين عاديين؛ كانوا، حسب شهادات الذين عرفوهم، أبطالا وأسود معركة..
إن فقد عزيز في الحرب يجعل عائلته تحزن حزنا عظيما، لكن فقد ثلاثة إخوة أبطال يجعل شعب بكامله يحزن عليهم ويبكيهم. هذا ما حدث حين أستشهد إخوة مريم؛ كل الشعب الصحراوي بكاهم معها؛ كل المقاتلين الذين عرفوهم وقاتلوا معهم لازالوا يذكرونهم ويذكرون بطولاتهم.
كان احتلال الوطن وفقدان الإخوة الأعزاء عاملا حاسما في تفجير حنجرة مريم لتغني وتكرس نفسها ووقتها وحياتها كلها للغناء الملتزم الثوري وللقضية. كان فنها أشد وقعا على الغزاة من وقع النبال. فبالرغم من فجيعة استشهاد الإخوة المؤلم والفادح فإن ذلك لم يجعلها تحبس نفسها مع الحزن والدموع في غرفة واحدة وتعتزل الحياة. على العكس؛ كان ذلك الحدث حافزا لها كي تثأر من الغزاة لاستشهاد الإخوة والرفاق وتثار لوطنها من محتليه. فتخليدا لأولئك الأبطال الراحلين وذلك الوطن المحتل بدأت المطربة، صوت الشعب الصحراوي، تغني وبصوت أعلى هذه المرة وفي كل المحافل؛ حملت علم بلدها في يدها وحملت قضيتها وذكرى إخوتها في قلبها وراحت تغني وتغني في كل مكان. جالت كل العواصم والمدن الكبيرة؛ غنت أمام كل شعوب المعمورة. مع الوقت صار صوتها أكثر جرأة، أقوى تأثيرا من ذي قبل، أكثر وعيا. كان يتحرر أكثر، ويصدح عاليا متحديا صمت تلك الصحراء. صوتها أيقظ كل ما يوجد على سطح الصحراء: الرمال، الجبال، الصمت وحتى الموتى. كانت تغني وحدها دون مساعدة من أي كان؛ كان سلاحها الوحيد هو صوتها والعهد الذي قطعته لإخوتها ولكل الذين استشهدوا معهم في الحرب، وللوطن المحتل خاصة وللصحراويين. كان الغناء هو سلاحها الذي لا تنفذ ذخيرته؛ كان صوتها، حين يتردد في تلك الصحراء أو فوق أعلى وأكبر المنصات العالمية، هو البلسم الذي يجعلها تحس، حين تبقى وحدها، أنها أوفت لإخوتها وللشهداء وللصحراء ذاتها. في وقت قصير أصبحت هي السفيرة، هي المبعوثة، حاملة اللواء، حارسة الفلكلور الصحراوي. وصلت إلى القمة في الفن وفي النضال وحب الوطن. وتكريما لها وتتويجا لعطائها ولفنها الذي لا ينضب كرَّمها شعبها تكريما غير عادي. لم يكن التكريم، مثلما قد يتصور أي أحد، عبارة عن تقديم جوائز أو باقات من الزهور ولا حتى وضع الذهب والأساور في عنقها. كان تكريما بسيطا، غاية في البساطة: أطلق عليها شعبها لقب " مريم، صوت الصحراويين" . لقب سيبقى خالدا في التاريخ .. الآن تحمل مريم حتى وهي في قبرها على جبينها هذا الوسام الخالد الذي لا ينفق ولا يضيع ولا يشوهه الزمن ولا يُسرق:  صوت الصحراويين الخالد.



يرجى تسجيل تعليقات ذات قيمة حتى يمكن ادراجها في الموقع الإبتساماتإخفاء