المرأة الصحراوية: الترواغ أو التخزان ( اختفاء العروس ليالي الزفاف)( دراسة يتبع)


Resultado de imagen de mujer saharauiإذا كان من العادة الصحراوية في العرس أن العريس يدخل إلى خيمة الرق باسما فرحا بعد أن يدور حولها سبع مرات فإن العروس لا تدخل إلى تلك الخيمة إلا بالقوة وضد إرادتها.
إن أيام الزفاف السبعة قديما هي أيام طويلة وصعبة نفسيا بالنسبة للعروس. فبدلا أن تكون أجمل أيام العمر تكون أتعسها وأكثرها مشاكل. في اليوم الذي يسبق حفلة الزفاف تُخبر الأم ابنتها أن العرس سيقام في الليل وعليها أن تُحضر نفسها. ولا تتم عملية تحضير العروس في الصحراء قديما بسهولة بسبب عدة مشكلات: فالعروس، بحثا ونشدا منها للعفة، لا تساهم في عملية تزيينها ولو بفعل حتى لو كان بسيطا؛ فهي لا تلبس ملابسها لوحدها، لا تستحم بمفردها، لا تمشط شعرها ولا تضفره، لا تضع حنتها ولا تتزين بإرادتها. المشكلة الأخرى أن عملية تجميل العروس تتم في الغالب ضد إرادتها وسط الدموع والصراخ. فالمرأة، حتى لا يقال أنها راغبة في الرجال وفرحة بالزواج، لا تقوم بأي شيء طواعية وتترك الأمر كله للنساء والصديقات. والأصعب من ذلك أن الكثير من العرائس يدخل في إضراب عن الطعام طيلة أيام الزفاف وتقضي الوقت كله نائحة صائحة. إن التظاهر برفض العرس ومقاومة العروس لعملية تجميلها تدخل في إطار دفاعها عن عفتها ونزاهتها. فحسب النظرة التقليدية فإن العروس التي تضع حنتها وحدها وتشمط شعرها وتختار ملابس زفافها و تُظهر فرحا للعرس هي امرأة غير محترمة. إن إجراء تجميل العروس بدلا إن يكون تجميلا يتحول في غالب الأحيان تعذيب: فالمرأة ترفض التجميل وتتمنع، أضف إلى ذلك صعوبة عملية التجميل في حد ذاتها. فإذا رفضت العروس التجميل فإن أمها ومساعداتها يلجأن إلى العنف ضدها فيلوين ذراعها ويسيطرن عليها بالقوة وسط الدموع والصراخ. وأصعب عملية في التجميل هي عملية ضفر الشعر الذي يتطلب غمسه في الكثير من المستحضرات التجميلية ودهنه وضفره ضفيرة تسمى ضفيرة العروس وتعليق عليه الخرز والعقيق والجواهر التي تحمل الفأل الحسن بإنجاب الذرية الصالحة خاصة الأولاد الذكور. بعد الضفر، تتحنى العروس ثم تلبس ملحفة العرس، وهي ملحفة ذات لون نيلي وإزار أبيض.
حين تُطلب العروس لتوقيع عقد الزواج بنفسها ترفض ذلك أيضا.. إن توقيع عقد الزواج من طرف العروس في عُرف المجتمع هو رغبة المرأة في الزواج وفي الرجال وهو ما يتنافى مع قواعد العفة والفضيلة. فالمرأة التي توقع عقد الزواج أو التي تتظاهر أنها فرِحة بزواجها ينظر إليها المجتمع أنها غير عفيفة. فحين مثلا تسمع العروس صوت زغاريد توقيع العقد عليها أن تبدأ تبكي بحرقة أمام الناس، خاصة النساء، حتى يتم ذكر عفتها وفضيلتها في المخيم بعد نهاية الزفاف. فحين لا تبكي امرأة ساعة سماع أصوات زغاريد عقد قرانها تُتهم بقلة العفة ويطلق عليها اسم " مسلوبة". وإذا كان على العروس إن لا تُظهر أي نوع من الفرح في أيام عرسها، فإن الزوج مطالب أن يبتسم حين يسمع الزغاريد ويتلقى التهاني.

حين تنتهي عملية التجميل الصعبة تختفي العروس في مكان سري. من جهة هي لا تريد أحدا أن يراها وهي متجملة وفي كامل زينتها لأن ذلك يشعرها بالخجل ومن جهة أخرى تخاف عليها أمها من يصيبها مكروه العين والحسد.
في المساء، خاصة منذ الليلة الثانية والثالثة، تبدأ العروس وصديقاتها التخطيط لعملية الترواغ ( الاختفاء) وهي كلمة مشتقة من العربية الفصحى ( المراوغة) أي التضليل. إن الهدف من الترواغ هو تفادي أن يقال إن العروس ذهبت إلى عريسها بسهولة، طائعة مستسلمة. فخلال الأيام السبعة المخصصة عرفا للعرس تحدث معركة حامية الوطيس بين أصدقاء الزوج وصديقات الزوجة: أصدقاء الزوج يخططون لكشف مكان العروس وإفشال عملية اختفائها، بينما صديقات الزوجة يجهدن أنفسهن كي لا يتم القبض على العروس وحملها بالقوة إلى مخدع زوجها.
إن عملية اختفاء العروس هو مهم بالنسبة لشرف عائلتها ولعفتها هي؛ فالعروس التي لا يُعثر عليها تُشرف عائلتها. من الجهة المقابلة إذا عُثر على الزوجة فإن ذلك سيشرف عائلة الزوج ووزيره( شخص مكلف من طرف الزوج بالقيام بكل شيء نيابة عنه خاص عملية البحث عن العروس). وحتى ينجح "أوزير" في الكشف عن مكان الزوجة المختفية يلجأ في بعض الأحيان إلى اللجوء إلى نساء من قريبات العريس كجاسوسات. من الجانب الآخر تعمد بعض صديقات العروس إلى البحث عن مكان سري جدا ليخفينها فيه، وأكثر من ذلك يلبس بعضهن ملابس مثلها ويضفرن شعورهن ويتفرقن في المخيم لخداع فريق الزوج. في بعض الأوقات، وحتى تنجح عملية الترواغ، ينزعن عن العروس ملحفتها الجديدة ولباس زفافها ويُلبسنها ملحفة قديمة مهتريئة  حتى لا يتفطن أحد أنها هي العروس المبحوث عنها. ومرات أخرى تركب العروس جملا وتهرب إلى مخيم آخر أو إلى كهف لتقضي فيه ليالي الزفاف حتى لا يُقبض عليها.      

ولا يقف الأمر عند هذا الحد؛ فالنساء كن يلجأن إلى ما كان يُسمى العروس المزيفة وهي تجهيز امرأة عجوز، أو في بعض الأحيان رجلا، ولفه في ملحفة جديدة وإحضاره إلى العريس على أساس انه هو الزوجة.  

يرجى تسجيل تعليقات ذات قيمة حتى يمكن ادراجها في الموقع الإبتساماتإخفاء