المرأة الصحراوية: (دراسة يتبع)





بدأت النساء تتألفن مع الحمادة، مع الريح الحمراء، الحر، العطش، البرد، الغربة والعزلة.
حين أصبحت الريح الحمراء تمر أطلقت عليها النساء اسم ريح القيامة؛ كانت النساء حين يبصرن علامات الريح الحمراء في السماء يقلن " جاءتكم القيامة.".
Resultado de imagen de mujer saharaui
وحتى الماء لم يكن موجودا في الحمادة. كيف يمكن العثور على الماء في هذه الحمادة؟. بدأ الشيوخ يشحذون ذاكراتهم بحثا عن عيون الماء التي ربما مروا بها ذات يوم في الماضي. بعد جهد جهيد تم نبش بعض عيون الماء التي ردمتها الريح الحمراء. كانت الريح الحمراء تردم كل بئر تم حفره في الحمادة حتى لا يسكن بشر هناك. تم حفر آبار النبكة وعيون لعوينة والرابوني. هنا، قرب هذه العيون المائية شبه الجافة والمالحة، أقامت النساء مخيماتهن؛ عند كل عين ماء أقيم مخيم( ولاية)؛ عند النبكة أقيم مخيم العيون، عند لعوينة اقيم مخيم الداخلة، وقرب الرابوني أقيم مخيم السمارة. كل مخيم كان يتكون من خمس او ست مخيمات صغيرة ( دوائر).

كانت تلك المخيمات هي نواة الدولة الصحراوية الفتية. كانت عبارة عن خيام مصنوعة من القماش القوي المقاوم للطبيعة. إن القماش الذي تصنع منه اقواطين هو قماش مصنوع خصيصا لمقاومة الطبيعة( الحر والبرد)، لكنه لم يصمد في الحمادة. فالطبيعة في تلك البقعة الملتهبة من الأرض لا يقاومها حتى الحديد. في الحمادة، بسبب الريح والشمس، لا يقاوم قماش أقواطين أكثر من شهرين أو ثلاثة أو حتى ستة على أبعد تقدير. إن الريح التي تهجم من حين لآخر والشمس الحارة دائما، حتى في الشتاء، تأتي على القماش بسرعة.
حين بدأت النساء تخيط اقواطين الجدد اكتشفن إن امرأة واحدة لا تستطيع بمفردها أن تخيط قيطونها. أمام واقع مثل هذا كان على النساء أن يتذكرن ما كانت تقوم به جداتهن وأمهاتهن حين كنَّ في الصحراء. بدأت عمليات التويزة من جديد لخياطة اقواطين التي ستبنى في الحمادة. وكما رأينا من قبل- حين تحدثنا عن التويزة- فإن نسج خيمة وخياطتها هو عمل صعب ويتطلب مجهودا جماعيا. في الحمادة أصبح اسم التويزة "عمل اللجنة" الجماعي وأصبح اسم الخيمة قيطون، وحلَّ محل الوبر والصوف القماش. كان على كل مجموعة من النساء ( جارت، صديقات) أن يتعاون لخياطة خيامهن الجديدة؛ كل فترة زمنية( أسبوع مثلا) عند واحدة، وحين ينتهين ينتقلن إلى الجارة الموالية لخياطة قيطونها. في بعض الأحيان تهب الريح الحمراء وتطيح بكل ما في طريقها من خيام وبنايات هشة فتضطر النساء إلى إعادة عملية الخياطة من جديد.
إن العمل في اقيطون لا يتوقف أبدا. حين تنتهي عملية خياطته تبدأ عملية ترقيعه. إن هبوب ريح قوية مثلا لا بد أن يترك في اقيطون تمزقات تفرض على المرأة في كثير الأحيان أن تطرحه أرضا وترقعه أو ترميه وتخيط مكانه أخرا جديدا. لقد عانت النساء الصحراويات كثيرا في سبيل أن تبقى خيامهن واقفة تتحدى رياح الحمادة التي لا يصمد في وجهها أي شيء.

يرجى تسجيل تعليقات ذات قيمة حتى يمكن ادراجها في الموقع الإبتساماتإخفاء