ملحمة قلتة زمور: الحلقة السادسة

 




اليوم لن يأتي الفرج للعدو من السماء

وصل الخبر المفرح إلى المقاتلين الذين كانوا على أهبة الاستعداد أن الصواريخ أصبحت جاهزة، وأنها ستكون مفاجأة تحميهم وتكتب معهم التاريخ. صواريخ سام 6 تختبئي في مكان قريب من القلتة، وستعطي للمقاتلين مزيدا من الثقة هذه المرة أمام جرأة الطيران المعادي. سرى حماس إضافي في نفوس أولئك الاسود المتأهبين للانقضاض. اليوم لن نغلب عن قلة، ولن يأتي الفرج للجنود المغاربة من السماء. على الثانية فجرا من يوم 13 اكتوبر تحركت المجموعات لتلتحق بمواقعها. كل ناحية وكل كتيبة ستكون عند نقطة معينة، وإذا سار كل شيء على ما يرام ستبدأ المعركة على الساعة السادسة صباحا. أول من يبدأ عمله ستكون هي الكاسحات التي وصلت شلخة اللبن على الثانية والنصف على ظهور الدبابات. بدأت تتقدم نحو الفتحة المغلقة بالألغام لتفتح الطريق الرئيسي للدخول. على الجانب الآخر من المرتفع توجد هاونات معادية مهمتها هي قصف تلك الفتحة إذا وصل إليها المقاتلون. هواء قلتة زمور تلك الليلة كان منعشا، وكانت من حين لآخر تمر دفعات من ريح باردة. بدأت الكاسحات عملها في تلك الظلمة. ذلك يعني أن لا رجوع عن المعركة. وصل صوتها إلى اسماع المقاتلين المرابطين في أماكنهم. لكن الغريب أنه لا أحد من القوة المعادية رد، أو حدث تحرك يوحي بالاستعداد للمعركة. بالنسبة للمقاتلين المرابطين حول القلتة كان من المستحيل ألا يسمع الجيش المغربي المرابط في القلتة أصوات الكاسحات. يعتقد المقاتلون أن المغاربة سمعوا صوتها، لكن لم يردوا لثقتهم أن طيرانهم سيتدخل ويرد المهاجمين. كانت معنويات المقاتلين ذلك الفجر فوق الشمس وفوق جبال القلتة. نقطة ضعفهم الوحيدة هي مهاجمة الطيران لهم؛ الطيران عدو لا يستطيعون الالتحام معه ولا يستطيعون مطاردته على الأرض. منذ معركة الوركزيز سنة 1980م، لجأ العدو إلى استخدام الطيران بكثافة في كل معاركه، وكان الملك المغربي يذهب ليلعق أحذية الامريكان والفرنسيين يشحت الطائرات المقاتلة. كانوا يعنفونه ويهينونه ويختفون عن لقائه، ويتذرعون بالأعذار حتى لا يلتقون معه. يعرف العدو أن المقاتلين الصحراويين لن يمتلكوا الطيران آنذاك لأنهم بلا مطارات وبلا طيارين، ويعرف، أيضا، انهم لا يستطيعون الحصول على صواريخ كبيرة مضادة للطيران بسبب التضاريس والبعد وصعوبة تشغيلها وتنقلها.

صوت المفاجأة/ سام 6 العظيم الذي هزّ جبال القلتة 

قلنا إن الجيش المغربي المتخندق في القلتة أحس منذ زوال الاثنين أن شيئا ما غير عادي يدور في فلك قلتة زمور، لكن لم يكن في وسعه فعل أي شيء. هو جيش ثقيل مقيد بالأوامر التي تصل في بعض الأحيان من الحسن الثاني مرورا بالدليمي. لا يمكن القيام بأي مبادرة مهما كانت صغيرة بدون أوامر. حسب الجنود الاسرى في القلتة(  ) فإن الدليمي، كان يوم السبت 10 اكتوبر والأحد 11 اكتوبر 1981م يقضي عطلة نهاية اسبوع ماجنة في بار أحمر في باريس. منذ مدة لم يحدث أي عمل عسكري كبير يزعجه فتراخت أعصابه نوعا ما وعاد إلى صخبه. حين بدأت كاسحات الالغام تنزع الالغام فجر يوم الثلاثاء 13 اكتوبر تأكد للقوة المتخندقة في القلتة أن ما أحسوا به عصر يوم الإثنين من تحركات هو في محله. اتصلوا بقيادتهم فأرسلت طائرة استطلاع من نوع C-130 huercules، من مدينة العيون. كانت تلك الطائرة هي الوحيدة من ذلك الصنف المتبقية لدى القوات المغربية، أما ما كان عندهم من نوعها فأصبح خارج الخدمة. تم إيقاظ الطيارين المتعبين، بلحاج ومحمد أمين، على الثالثة فجرا ليذهبا إلى قلتة زمور لجمع المعلومات. بلحاج ومحمد أمين هما ملاحان متمرسان، وهما برتبة رائد، تدربا في فرنسا وفي الولايات المتحدة، وتم تعينهما أخيرا مسؤولان عن استطلاع القطاع الجنوبي خاصة منطقة قلتة زمور. بالنسبة لهما هذه الرحلة، في هذا الوقت، هي غير عادية، وهناك جديد. مع ذلك ذهبا، فهو متعودان على القيام بعمليات استطلاع من هذا النوع، وطالما سبّب وجود طائرتها في السماء إزعاجا للمقاتلين الصحراويين. أخر مرة قاما بالكشف والاستطلاع كانت في بداية اكتوبر 1981م، وبالنسبة لهما، الاستطلاع هو مجرد نزهة لإن مضادات البوليساريو التي يعرفان لا تصل إلى المسافة التي توجد عليها طائرتهما. ولا تقوم طائرة بلحاج ومحمد أمين بالكشف فقط، لكن تربط الاتصال بين مختلف الوحدات عن طريق اللاسلكي. ذلك الفجر القاتم من يوم الثلاثاء 13 اكتوبر، وبسبب ضعف الرؤية، هبط الرائد بلحاج أكثر حتى أصبح على بعد 18000 قَدَمْ ليمسح الأرض جيدا. المقاتلون الذين كانوا يتأهبون وينتظرون لحظة الانطلاق شاهدوا الطائرة – الكيشافة مثلما يسمونها-فوق الجبال. عرفوها لأنها تصدر ضوئيين صغيرين حمراوين بالتناوب من أجنحتها، لكن في غالب الاحيان لا تكشف في الظلام. شاهدوها وهي تتجول في السماء حتى وصلت فوق المركز القديم في الاسفل.

فجأة، حدث صوت عظيم هز جبال القلتة. كتلة كبيرة مشتعلة على شكل صاروخ هادر تنطلق نحو السماء فتشتت تلك الطائرة إلى حطام في السماء. حدث انفجار كبير وتناثرت تلك الطائرة فوق الجبال يتبع.

blog-sahara.blogspot.com.es

السيد حمدي يحظيه


يرجى تسجيل تعليقات ذات قيمة حتى يمكن ادراجها في الموقع الإبتساماتإخفاء