ملحمة قلتة زمور: الحلقة السابعة


 


في ماذا كان يفكر الذين أطلقوا سام 6؟ 

انطلق أول سام 6، أول مرة في تاريخ الحرب في الصحراء الغربية في سماء القلتة، وشتت أول طائرة. أول سام 6 ينطلق في حرب في إفريقيا كلها تقريبا. كان الطقم الذي أشرف على إطلاقه قد دخل التاريخ فعلا. كانت أعصابهم باردة وإرادتهم فولاذية، وتحكموا في زمام الأمور جيدا. تحكموا في أعصابهم حين كانوا يشاركون في إصلاح الخلل الذي أصاب البطارية يوم الإثنين، وتحكموا فيها، أيضا، حين أطلقوا ذلك الصاروخ التاريخي بنجاح. كسبُ المعركة كان يعتمد، بنسبة كبيرة، على انطلاقة ذلك الصاروخ وإصابته للهدف. الصاروخ الأول مهم جدا، ويجب ألا يخطئ هدفه. إذا أصاب الطائرة سترتفع المعنويات، وستبدأ المعركة بداية موقفة، أما إذا أخطأ فقد تحدث صدمة. من جهة ثانية عجّل إطلاق ذلك الصاروخ ببداية المعركة التي كانت إشارة انطلاقها هي السادسة صباحا فما. فما أن انطلق الصاروخ حتى تقرر الهجوم قبل موعده.

في تلك اللحظة، قبل إطلاق الصاروخ بثواني، كانت القلتة، كمكان صامد، تعود إلى الاذهان حين حامت فوقها، في عصر يوم من أيام فبراير 1976م، طائرات استكشاف مغربية، تبعتها طائرات مقنبلة. تلك الطائرات، بسبب تأكدها أن لا سلاح جوي سيتصدى لها، كادت تلامس، يومها، أغصان أشجار الطلح الصامد. تمت قنبلة الخيام البسيطة والناس العظماء والاشجار فسقط الضحايا والجرحى ثم عادت الطائرات إلى قواعدها لتمارس مهمة القصف من جديد بتلذذ في اليوم الموالي. بعد حوالي ست سنوات كان الانتقام في المستوى أو أكثر.  طائرة C-130 huercules، غالية الثمن، المعتزة بنفسها تتناثر في الجو فجرا. ما حدث كان مثل الحلم بالنسبة للرائد بلحاج ملاحها ومساعده الرقيب أول محمد أمين. قبل ثلاث ساعات كانا نائمين، والآن ها هما يتحولا إلى أشلاء في الهواء هما وطائرتهما. سيناريو أشبه بالحلم بينما هو حقيقة ساطعة. الصاروخ المنطلق محاطا بالنار شاهده كل المقاتلين الذين كانوا ينتظرون إشارة الانطلاق. تابعوه بأعينهم حتى أصطدم بتلك الطائرة اللعينة فحولها إلى قطع متناثرة. الله أكبر.  

زئير الناقلات/ المفاجأة الثانية وبداية الملحمة 

تزامن، بالصدفة المحضة، انطلاق الصاروخ وتحطيم الطائرة مع انتهاء فرقة الهندسة والكاسحات من فتح ثغرة في شلخة اللبن تستطيع القوات المهاجمة الدخول منها بأمان. كأنما كان انطلاق ذلك الصاروخ هي إعطاء إشارة للناقلات كي تخترق وتنطلق نحو أهدافها بسرعة. انطلقت المدرعات تتقدمها ناقلات BMP1 تهدر وتكسر الحصى والحجارة تحت جنازيرها الرهيبة.

تزامن ذلك مع انطلاق نيران جهنم من كدية "واد اسكاف" متجهة نحو مركز قلتة زمور. تلك النيران مصدرها هو راجمات الصواريخ " أورغ ستالين" التي بدأت تقذف حممها نحو تلك الجبال لتأمين الطريق للمدرعات التي كانت تسير ككتل من الغبار والدخان الغاضب. المقاتلون الذين يقودون تلك المدرعات يعرفون المسالك جيدا، وكانوا يسيرون بسرعة يمكن أن نصفها أنها متهورة. كانت ناقلاتهم سريعة إلى درجة أنه يصعب على سائقيها التحكم في سرعتها. كانت ثقتهم في أنفسهم ومدرعاتهم عالية ذلك الصباح البارد إلى درجة الزهو، خاصة بعد مشاهدتهم لتك الطائرة تسقط وتتشظى. سارت المدرعات بمحاذاة سلسلة كدى اكويليلات ثم التفت لتتوغل بين الصخور حتى تصل إلى المركز الاسباني. تلقتها قاذفات ومدفعية العدو بكل ما لديها من نيران، لكن الصوت كان مخيفا وعاصفا وراعدا. حتى الحجر سيتزعزع ولن يصمد حين يسمع هدير تلك الآليات. كان ذلك الصوت يلقي الرعب في نفوس الجنود المغاربة، وكلما أقترب أكثر كانت خطوط الدفاع الأمامية تترك مواقعها وتفر. كان العدو مهزوما، على الأقل نفسيا، قبل وصول القوة المدرعة بعد سقوط الطائرة. أول مرة تقتحمهم المدرعات بهذه السرعة، والمشكلة أنهم لا يعرفون هذا النوع من الناقلات من قبل. كلما اقتربت المدرعات كان الجنود يتركون خنادقهم وأسلحتهم ينجون بجلودهم. تفرقوا في الصخور أتجاه الجنوب مائلين نحو الغرب. لم يبق في الميدان سوى رماة الصواريخ ورماة الهاونات الذين كانوا متحصنين جيدا في الصخور منذ شهور، وكانوا يقومون بمناورات صد هجمات تمثيلية بصفة منتظمة. كانت القذائف والقذائف المضادة تلتقي وتتناطح، أحيانا، في الجو. النيران الدفاعية الكثيفة فرضت على الناحية الثالثة المقدامة أن تصعد وتفتح ثغرة مهمة وحاسمة في مرتفعات صعبة حتى تهبط من رؤوس اكويليلات. تلك الفتحة سهلت دخول الوحدات غير المدرعة إلى ميدان المعركة. لم يكن أحد، حتى الجن، يظن أنه يمكن أن تتسلق تلك الناحية من تلك الكدى الوعرة وتفتح فيها طريقا. وصلت الطلائع الأولى إلى المدخل الشمالي للمركز الإسباني. كان مشهد الناقلات وهي تحيط المركز منظرا مهيبا وقت طلوع الشمس. كانت تنفخ دخان محركاتها في السماء وهي متوقفة كإشارة أنها انتصرت، وأنها عظيمة حقا حين تجد من يحسن استعمالها. كانت مثل خيول نافرة فازت بسباق طويل وصعب. كان المقاتلون ينظفون الحجارة والصخور من دفاعات العدو بثقة كبيرة في النفس. توقف قصف الصواريخ الصديقة التي مصدرها " أورغ ستالين"، وبدأ أصحابها يعدون الشاي في ذلك الصباح الذي كان غائما بغبار ثاني أكبر ملحمة بعد الوركزيز. حتى مقاتلي الآليات بدأوا يعدون الشاي في انتظار أن يتم إعطاء الأمر. لازالت المعركة لم تُحسم بعد. 

كان الدليمي على الراديو يتصل بقائد الفيلق الرابع المحاصر المهزوم. حسب شهادات بعض الجنود الذين وقعوا في الأسر(  ) فإن القائد العام للقلتة هو الكولونيل والي يساعده عبد الخالق عليقة، قائد الفيلق الرابع، لكن لا يعرفون هل كانا موجودان وقت المعركة أم لا. يؤكدون أن سيارة عبد الخالق تم غنمها في المعركة وهي من نوع جيب، وكانت تحمل وسائل اتصال متطورة. حاول الدليمي تنسيق الموقف من جديد معتمدا على الطيران. إلى تلك اللحظة كان الدليمي لا يعرف ما حدث لطائرة الاستطلاع التي شتتها سام 6 على الخامسة صباحا. كان على قيادة الاركان المغربية أن ترسل طائرات جديدة مقاتلة واستطلاعية إلى المكان. يتبع.

blog-sahara.blogspot.com.es

السيد حمدي يحظيه


يرجى تسجيل تعليقات ذات قيمة حتى يمكن ادراجها في الموقع الإبتساماتإخفاء