تقرير مكتب المفوضية السامية لحقوق الإنسان حول الصحراء الغربية
مايو – يونيو 2006م
أ) انتفاضة الاستقلال 2005م
1- من الظلم ...تتوالد
الانتفاضات والمقاومات...
إن تواصل الفعل الانتفاضي
اليومي منذ سنة 1992م، جعل الصحراويين يطورون ويراكمون تجربتهم في المقاومة
السلمية. كان عامل الاستمرارية مهما جدا. بدأت الانتفاضات الصحراوية تتوالد من
بعضها البعض، فكلما قُمعت إحداها بالقوة تنزل الأخرى إلى الشارع قبل أن تجف دماء
ضحايا الأولى، وقبل أن تمتص الجدران صدى أصوات متظاهريها المطالبين بتقرير المصير
والاستقلال.
إن زخم الانتفاضات جعل
الصحراويين يبلورون استراتيجية وطنية في المدن المحتلة لكسر الحصار والجمود. كانت
الانتفاضة فعلا ضاغطا عموديا قويا متواصلا في
حلقات متسلسلة لا تنقطع. لقد مكَن هذا الفعل، في الأخير، من وضع القضية
الصحراوية في طليعة الأجندات الدولية بدل إن تبقى أسيرة تقارير أمين عام الأمم
المتحدة كل ستة أشهر. فلولا الانتفاضات لتم اغتيال القضية الصحراوية بالانتظار
والنسيان الممنهج الذي يعمقه الاحتلال بالحصار المضروب على أي خبر يتسرب من الداخل
الصحراوي.
سنة 2001م أيضا عرفت
مظاهرات وأعمال احتجاج كبيرة تركت أملا وانطباعا جيدا في الوسط الصحراوي في كل
مكان. أصبحت الانتفاضة حدثا يوميا لا يتوقف؛ حدث يتنفس من خلاله الصحراويون بعد
الكبت الذي عانوا منه طويلا تحت الاحتلال وفي الشتات سنوات عديدة. وبالمقابل زاد المغرب من خرقه لحقوق الإنسان:
الاعتقالات لا حصر لها، التنكيل، القمع الوحشي الذي أدى إلى سقوط ضحايا تحت
التعذيب. في سنة 2003م يتم اغتيال اثنين من مناصري القضية الصحراوية تحت التعذيب
وهما محمد بوسته ورمضان الليثي، وفي 30 افريل 2004م يُغتال سليمان شويهي في الاعتقال في ظروف قيل
أنها غامضة مثل حال كل حالات الاغتيال التي تحدث في المغرب. يوم 18ماي 2004م يغتال
حسن هدي في السجن لكحل بالعيون بطرق تعذيبية قبيحة بتهمة التحضير لتخليد ذكرى 20
ماي الوطنية.
كانت نتيجة هذا الحراك
وهذه التضحيات هو اتفاق كل الصحراويين على وضع استراتيجية موحدة، طويلة الأمد من
خلال الشروع في انتفاضة مفتوحة لا تتوقف ولا تهادن، تنشط يوميا، ليس في الشارع
الصحراوي المحتل وحده، ولكن في كل الأماكن التي يتواجد فيها الصحراويون في تماس مع
الاحتلال ولو في عمق المغرب.\
2- وبدأ الفيضان
الشعبي الصحراوي...
بداية شهر مارس 2005م
كانت ساخنة في المدن المحتلة. نسقت جمعيات ولجان " حماية المعتقلين،"
و"اللجنة ضد التعذيب" فعاليات نضالية متنوعة لصالح كل المعتقلين الصحراويين، وتنديدا بالعبث
بالموارد الإقتصادية للإقليم. قامت هذه الجمعيات أيام 1، 2 مارس بإخطار كل المعتقلين
الصحراويين في السجون المغربية أنها ستشرع في سلسلة أعمال لصالحهم مثل الاعتصامات
والإضراب عن الطعام. المبادرة لاقت تجاوبا سريعا من طرف كل المعتقلين في السجون
المغربية وفي المدن المحتلة. يوم 3مارس
2005 م تجمعت حوالي 600 امرأة صحراوية في العيون المحتلة، ونظمن انتفاضة مطالبات
بحقهن في التمتع بالحرية مثل بقية نساء العالم. في الحدث حملن صور أبناءهن من
ضحايا الاختفاء القسري الذين لا يعرفن لهم مصيرا منذ اختطافهم من طرف الشرطة
الحضرية وقوات الأمن المغربية على اثر مشاركتهم في الانتفاضات السلمية السابقة.
وخلال هذه المظاهرة السلمية النسوية تناولت المناضلة مينتو حيدار الكلمة وطالبت
"بكشف مصير المختطفين وإطلاق سراح المعتقلين الصحراويين، وأكدت على حق تقرير
مصير الشعب الصحراوي."
في يوم 8مارس 2005م، نظم
الطلاب والطالبات الصحراويين أيضا
مسيرة بمناسبة اليوم العالمي للمرأة في
جامعة الرباط للتضامن مع انتفاضة النساء الصحراويات في العيون، وطالبوا بنفس
مطالبهن. وبسبب حساسية المكان تدخلت قوات مكافحة الشغب وأحدثت مجزرة في صفوف
الطلاب الصحراويين تركت وراءها 29 جريحا والعديد من المعتقلين. ولم يقتصر الفعل
الهمجي المغربي عند هذا الحد، بل أن القوات المغربية لاحقت الطلبة في غرفهم
وسكناتهم واعتقلت الكثير منهم. مثل هذه
الأحداث والانتفاضات كانت هي السبب في كسر جدار الصمت وبداية الفيضان الصحراوي
الذي انساب إلى فضاءت أخرى أوسع وأرحب..
انطلقت فعاليات انتفاضة
الاستقلال الكبرى بمناسبة ذكرى 20 مايو 2005م، وحدد تاريخ نهايتها عندما يعترف
المحتل المغربي عمليا بحق الشعب الصحراوي في تقرير المصير والاستقلال. فبعد هذه
الانتفاضة المتواصلة سيكون من الصعب تمييز انتفاضة أخرى عنها بمميزات ما، لكن كل
ما سيليها سيخرج من رحمها وسيكون امتدادا لها في المكان والتاريخ اللاحق.
فالصحراويون، بعد القمع
الذي لحق بهم، حتى لا يكررون انتفاضة 99م و2001م، شعروا أكثر بالغضب، وأصبحوا
ينتظرون شرارة صغيرة ليشعلون انتفاضة كبيرة أو فيضان شعبي قوي يحرك الوضع الذي
يريده الاحتلال راكدا. كانت بداية
الانتفاضة صغيرة، لكن على ما يبدو كان الكل حاضرا في الميدان يتحرى أي شيء أو
ينتظر أية شرارة. فحين أقدمت سلطات الاحتلال على تحويل سجين الرأي الصحراوي، أحمد
هدي الكينان، من السجن لكحل إلى سجن ايت ملول بداخل المغرب، بسبب إقدامه على إحراق
بطاقة التعريف المغربية أمام البلدية، أعتبر الصحراويون العمل عملا بطوليا يجب
تخليده. كلهم التفوا حول عائلة الشاب المعني في احتجاجها على تحويله إلى داخل
المغرب. في ساعات قليلة تحول الاحتجاج إلى مظاهرة، كانت هي بداية انتفاضة 2005م
التي ستحمل فيما بعد اسم انتفاضة الاستقلال.
لكن المشكلة أن المخزن لا
يعرف الاحتجاج السلمي، فرفع عصاه على المحتجين وحاول تفريقهم بالقوة. وفي خضم
المشادات بين عائلة المعتقل والبوليس هبت ساكنة مدينة العيون لنجدة العائلة. إن
الحدث حسب الذين عاشوه لا يمكن أن يتم تصويره بدقة أو الحديث عنه بتفاصيل، فخروج
الصحراويين، كلهم للتظاهر كان أشبه بالنفخ في الصور أو بإطلاق صفارة في ثكنة
للمتدربين العسكريين. ففي عدة دقائق كانت المدينة عبارة عن غابة من الأعلام
الملونة الصحراوية، وكانت اللافتات تجوب الشوارع مطالبة برحيل الاحتلال. في اليوم
التالي، حدث الفيضان الصحراوي في الشوارع، وكادت المدينة تصبح تحت سيطرة المنتفضين
لولا تدخل الجيش والقوات المساعدة. كان التدخل بشعا جدا خاصة من طرف مجموعات الأمن
الحضري GUS(
groupes urbains de securite) التي تم تكوينها خصيصا
لغرض مكافحة الانتفاضة الصحراوية، وتتواجد كلية في المدن المحتلة.
في ذات اليوم كان رنين التلفونات لا يتوقف يحمل
للمتظاهرين أخبارا سارة عن شمول الانتفاضة كل المدن الأخرى والأماكن التي يتواجد
فيها الصحراويون: العيون، السمارة، الداخلة، بوجدور، أسا، الطنطان، إلخ.. كل هذه
المدن استجابت آليا للنداء والمؤازرة بفعل
مكالمات هاتفية معدودة أرسلت من العيون المنتفضة.
ما حدث مما كان متوقعا من
قبل الاحتلال، جعل الهراوة المخزنية تخرج من غمدها، وتبدأ مهمتها القذرة. أفقد
التظاهر السلمي والتلويح بالأعلام الوطنية الشرطة صوابها، فهاجمت المتظاهرين في كل
مكان وصله فعل الانتفاضة خاصة في حي معطلا وحي الزملة مهد الانتفاضات. بدأت الهمجية
المخزنية فعلها؛ تمت مهاجمة المتظاهرين بخراطيم المياه والصباغة، وانهال المشاة
والجنود المسلحين بالعصي والقضبان والسلاسل الحديدية على المتظاهرين العزل فسقط
الجرحى وسال الدم غزيرا. وحسب الأوامر المخزنية يجب أن يتم ضرب المتظاهرين على
الرأس والوجه والأماكن الحساسة، وتكسير عظامهم خاصة الأذرع والسيقان والأضلاع. سقط
الكثير من الضحايا في الميدان: البعض مشلول، البعض الآخر سقطت أسنانه، بعضهم فقد
عينه. في الأيام الأولى تم منع الصحافة من الاقتراب من المكان، ولما حل يوم 29
مايو ظنت الشرطة أنها تحكمت في الفيضان وأوقفته. طلب والي العيون من بعض الصحافة
المنتقاة الدخول إلى المدينة، لكنه في الوقت الذي كان يقول لهم أن الوضع تحت
السيطرة حدث فصل أخر من الانتفاضة أمام أعينهم.
وفي محاولة لإرهاب
المتظاهرين، قامت بعض الوحدات العسكرية مدعومة بالمستوطنين بمحاصرة الأحياء
الصحراوية، وشنت حملة انتقامية لحرق ونهب منازلهم ومتاجرهم وتكسير زجاج سياراتهم
وحرقها. وبالرغم من كل هذا خرجت الانتفاضة في الأيام الموالية عن دائرة سيطرة
الاحتلال، ومضت نحو الهدف الذي أرادت. أن المهمة التي ستكون صعبة مستقبلا هي مهمة
المؤرخين الذين سيتناولون موضوع انتفاضة الاستقلال، لأنه سيكون من شبه المستحيل
بالنسبة لهم الإلمام بتفاصيلها ورسم صورة ملونة لها، خاصة حين يحاولون وضع
كرونولوجيا لها بسبب تنوعها وشموليتها، فحتى لو توخوا الدقة سيظلون مقصرين في
حقها. لقد حدثت هذه الانتفاضة في كل مكان يتواجد فيه صحراوي حتى لو كان قسما
دراسيا في عمق المغرب ويتواجد فيه تلميذ صحراوي أو اثنين.
وحتى تحاول سلطات
الاحتلال التخفيف من حدة الصدمة، وخلق جو مضاد من التظاهر أقدمت على شراء آلاف
الأزياء الصحراوية وخياطتها وتوزيعها على المستوطنين، وطلبت منهم أن يخرجوا إلى
الشارع للتعبير عن الرأي المخالف للانتفاضة الصحراوية. وحسب بعض موظفي المينورصو
الذين تم استدعاؤهم لرؤية الحدث فإن كل ما حصل من طرف المستوطنين كان يظهر أنهم
يمثلون مسرحية كوميدية.
يرجى تسجيل تعليقات ذات قيمة حتى يمكن ادراجها في الموقع الإبتساماتإخفاء