أحست موريتانيا بالخطر يحدق بها، ويفتح فمه
حولها، فإذا أستولى المغرب على الصحراء الغربية ذات التعداد السكاني القليل غير
المنظم وضمها اليه، فإن موريتانيا ذات المساحة الشاسعة والحدود المفتوحة وغير
المحروسة، والتي يسكنها مجتمع بيظاني مسالم قليل، ستصبح هي الأخرى، بسرعة، في
متناول المغرب، ومن الممكن أن تسلمها له فرنسا مباشرة خاصة انها لازالت انذاك مستقلة
استقلالا داخليا وضعيفة وسهلة الابتلاع، والفرنسيون هم وحدهم من يدافع عن
استقلالها. كان على موريتانيا ان تتحرك بسرعة لمواجهة الخطر المغربي بالدعوة الى
جعل الصحراء الغربية حاجزا في وجه المغرب بأية طريقة، سواء بإقامة وحدة بين
موريتانيا والصحراء الغربية، أو الدعوة الى إقامة دولة في الصحراء الغربية غير
تابعة للمغرب.
فأثناء انعقاد مؤتمر ألاك يوم 2 مايو
1957م، الذي تأسس بموجبه حزب المختار ولد داداه، تم توجيه الدعوة إلى شيوخ من
الصحراء الغربية للمشاركة في المؤتمر، وتم حثم سريا على أن تتحد الصحراء الغربية
مع موريتانيا للوقوف في وجه المغرب. لكن رد الشيوخ الصحراويين كان فاترا أتجاه دعوة
ولد داداه لهم بالاتحاد مع دولته الفتية، لإنهم، هم بدورهم، يأملون ان تعطيهم أسبانيا
استقلالهم في يوم من الأيام.
في يوم 1جويلية 1957م خطب المختار ولد
داداه في تجمع حاشد من مناضلي حزبه الجديد. كان انذاك يشغل منصب نائب ريئس مجلس
الحكومة الموريتانية المطالبة بالاستقلال. في خطابه لمًح، على طريقة البيظان (عرب موريتانيا والصحراء
الغربية) المشهورين باللعب بالكلمات، الى ضرورة
الوحدة بين سكان موريتانيا وسكان الصحراء الغربية في إطار موريتانيا كبيرة.
رسم هو الآخر خارطة وهمية مثلما فعل زعيم حزب الاستقلال المغربي، لكنه لم يرسمها
بطرف عصاه على الرمال بل رسمها بالكلمات. قال": إنني لا أستطيع ان اذكر
الروابط العديدة التي تربطنا مع سكان الصحراء الغربية؛ نحمل نفس الأسماء، نتكلم
نفس اللغة ، نحفظ نفس العادات ، نقدس نفس الأولياء الصالحين، نرعى ماشياتنا في نفس
المراعي ونسقيها من نفس الآبار، ولنا نفس جذور الحضارة الصحراوية التي نعتز بها،
لهذا أدعو اخوتنا في الصحراء ان يحلموا بهذا الكنز العظيم وبموريتانيا
الكبيرة."*
ان الكلام يحمل في مضمونه معنيين:- المخطار
ولد داداه يطالب خفية بالصحراء الغربية حين دعا الصحراويين الى الحلم بموريتانيا
الكبيرة، وخلق وحدة إقتصادية بين الحديد والفسفاط والسمك وربما البترول مستقبلا، أما
المعنى الثاني الخفي فهو أنه يحاول ان يجعل من التشابه الثقافي الحضاري، حين راح
يعدد الروابط المشتركة بين الشعبين، حاجزا حدوديا يفصلهما عن المغرب الاقصى نهايئا،
ومن وراء ذلك يقول بلغة سلمية غير عنيفة، ان الصحراء الغربية التي يسكنها شعب
يشترك مع الشعب الموريتاني في العادات والتقاليد، إذا كانت ستنضم الى دولة من دول
المنطقة، فإن أقرب دولة اليها ثقافيا وحضاريا هي موريتانيا. ان تصريح ولد داداه
مساق بطريقة غير مباشرة لايفهمها الاً البيظان الذين يلمحون ولايصرحون، ومنه نفهم
ان طلب هذا الرجل الموريتاني لوحدة مستقبلية بين الصحراء وموريتانيا جاء كرد فعل
لا إرادي، لاشعوري على المطالبة المغربية بالمنطقة كلها بما في ذلك موريتانيا.
في يوم 24جويلية 1957 تزداد مخاوف ولد
داداه أكثر، فيرد على المطالبة المغربية بموريتانيا في خطاب اخر حماسي بمناسبة نقل
العاصمة من سانت لويس الى نواقشوط فيقول:"- يجب على شعب "المور" ان
يتحد من وادي درعة الى نهر السينغال ومن
غوليمين الى ازواد، ونطلب من اخواننا في تيرس وادرار سطف وزمور ان يسيروا معنا الى
المستقبل الموحد، وأن يفكروا مثلنا لنحفط حضارة بلادنا."*
والملاحظ ان المغاربة والموريتانيين معا
كانوا، في تلك الفترة، يقفزون على الصحراء الغربية، ويتسابقان للالتفاف عليها
بطريقة أو باخرى، فالمغرب كان يعتبرها جزءا لايتجزأ من خارطة الرمال الوهمية بينما
يعتبرها الموريتانيون جزء من أرضهم معتمدين على بعض التشابه الثقافي بين الشعبين
الاً ان الحقيقة ان الذي كان يهمهم ليس الوحدة والتاريخ والمصالح المستقبلية لكن
الفسفاط والسمك فقط.
يرجى تسجيل تعليقات ذات قيمة حتى يمكن ادراجها في الموقع الإبتساماتإخفاء