المقاومة الصحراوية السلمية: ملحمة كديم إزيك بين بساطة التنفيذ.و. عظمة النتائج( دراسة يتبع)

Resultado de imagen de refugiados saharauisفي الواقع كان الوضع في الصحراء الغربية، خاصة في الجزء المحتل منها، قدوصل إلى مرحلة من الاحتقان النفسي والغضب، أصبح من المستحيل معها الاحتمال أكثر. كان كل ما يجري على الأرض المحتلة من تعسف، من احتقار مغربي للصحراويين الذين يكرهون الحقرة، ومن دوس على كرامتهم ومن حط لقيمتهم، من تكسير لعظامهم، من سلخ لجلودهم تحت التعذيب ومن تضييق عليهم حافزا مهماً لجعلهم يفجرون ذلك الصمت والكبت ويثورون. إن سبب انفجار الوضع في العيون المحتلة( كديم إزيك) راجع إلى عدة أسباب مختلفة تصب،  كلها مجتمعة، في شيء واحد هو محاولة منع ا لاحتلال المغربي للصحراويين بالكثير من الصمت، التعسف والتآمر والتحايل من الوصول إلى حقهم في تقرير مصيرهم. 

ورغم أن المغرب كان يخنق المدن الصحراوية ويمنع عليها الكلام، الهواء، الغناء والحركة؛ ورغم أنه أيضا كان يتصور أنه يقبض على روحها، وفي يده مفاتيحها ويتحكم في مفاصلها وتحركاتها ويراقب مسرحها بدقة إلا أنه لم يتصور إن يحدث الذي حدث بعد ذلك في مخيم كديم إزيك.
إن ملحمة كديم إزيك كانت، تنظيما وتنيذا، بسيطة، غاية في البساطة، وتمت تم دون خلل يُذكر. لقد تم التحضير لها في جو من السرية، بطريقة بسيطة وغير معقدة لا تثير أي شك ولا ريبة حتى لأخطر الجواسيس. فحسب روايات بعض المناضلين المشاركين فيها، حدثت هكذا: "يأتي الناس الذين سيشاركون فيها من المدن الأخرى( الداخلة، السمارة، بوجدور، الضواحي)، يدخلون العيون، يحضرون مستلزمات الملحمة من خيمة، لباس، أعلام في صمت، ثم يستعدون للانطلاق إلى خارج العيون، وبالضبط إلى منطقة كديم إزيك التي تبعد عنها ب12 كلم.. قبل الأيام المحددة للانطلاقة تقوم مجموعة من الصحراويين بتنظيم اعتصامات تمويهية في المدينة؛ اعتصامات هدفها الظاهري هو لفت انتباه قوات المخزن ووسائله الكثيرة المنتشرة في كل موضع قدم من المدن المحتلة. كانت الاعتصامات ترفع شعارات تمويهية تطالب بالتشغيل، الخبز، السكن ومطالب اجتماعية بسيطة من هذا القبيل. وللمبالغة في التمويه بدأ المعتصمون يشتكون بتذمر مبالغ فيه، ويشِيعون ويقولون في الشارع أنهم، حتى لا يعرقلون السير العادي للحياة في الشوارع، سينقلون أعتصاماتهم إلى خارج المدينة حتى تتحقق مطالبهم. بدؤوا يخرجون على متن سياراتهم الخاصة ويشيدون مخيمهم في كديم إزيك خيمة، خيمة. كانت التقارير الأمنية تصل إلى سلطات الاحتلال تقول لهم أن المحتجين على "سوء الوضع الاجتماعي"، بدؤوا يشيدون خيامهم بكثرة خارج مدينة العيون، وأنهم يحملون لافتات تطالب بالتشغيل والسكن وتحسين الظروف الحياتية. السلطات المحتلة بدورها ظنت أن السماح ببناء المخيم المطالب "بالتشغيل"، "الخبز"، "السكن" هو في "صالح" ديمقراطيتها. فحسب تأويل السلطة المغربية إن ترك الناس يخرجون إلى الشارع للتعبير عن مطالب اجتماعية " بحتة"، خاصة في المدن الصحراوية المحتلة التي يقال أنها ممنوعة من تنسم الديمقراطية، هو مظهر ديمقراطي راقي ويحدث في كل بلدان العالم.  لم يخطر على بال المخزن قط أن كل ذلك كان تمويها فقط. استغل المناضلون الصحراويون الوقت الذي كان لازال يعمل لصالحهم فانتقلوا بسرعة، خاصة في الليل ووقت الفجر إلى منطقة كديم إزيك. كان المخيم يكبر مع مطلب كل شمس؛ كان يتوسع، يتمدد، يزداد حجمه وخريطته حتى أصبح في حجم واحدة من الدوائر في مخيمات اللاجئين. أزداد، كبُر، أصبح غابة من الخيام، وفي مدة قصيرة أصبح سكانه بالآلاف.
إن كبر مخيم كديم إزيك وتزايد سكانه كل يوم أربك سلطات الاحتلال وأقلقها. بدأت طلائع قوات المخزن والشرطة تصل إلى عين المكان لتتحرى عن كثب ما يحصل بالضبط. يوم أو يومان بعد ذلك وصلت قوات الجيش التي تم جلبها من الحزام الرملي في الجنوب. ورغم أن المخيم كان يتم تشييده على عجل تخوفا من إن تفشل الخطة إلا أن تنظيمه ودقة بنائه أدهشت الجميع. كان الناس يبنون خيامهم في صفوف وأحياء منتظمة متراصة تاركين بين كل صف وصف وبين كل حي وحي شوارع تسمح بمرور السيارات والأشخاص بسهولة ويسر. في أيام قليلة وصل عدد المناضلين الصحراويين النازحين إلى المخيم أكثر من 20 ألفا. إن تزايد العدد بهذا الشكل جعل سلطات وقوات الاحتلال تضرب جرس الإنذار: تمت محاصرة المخيم، تم منع بناء مزيدا من الخيام، أحيط المخيم بجدار رملي، وتم حتى منع الناس من جلب المؤن من المدينة المجاورة، العيون. في أيام قليلة تم منع الماء، ومُنع الناس حتى من قضاء حاجاتهم في العراء خارج المخيم. حين لم يعد مسموحا بدخول أي أحد كشف المناضلون عن نواياهم الحقيقية؛ رفعوا لافتاتهم التي كانوا يخبئون: نطالب بحقنا في تقرير المصير، نطالب الأمم المتحدة بمراقبة وضع حقوق الإنسان في المدن المحتلة من الصحراء الغربية، نطالب بوضع الثورات الصحراوية تحت حماية دولية ويخرج الاحتلال.

تحول المخيم إلى انتفاضة؛ بدأ سكانه المحتجون يخرجون كل يوم حاملين لافتاتهم وأعلامهم ويشتبكون مع قوات الاحتلال في عز النهار. 

يرجى تسجيل تعليقات ذات قيمة حتى يمكن ادراجها في الموقع الإبتساماتإخفاء