تمت ازاحة الغبار وظهر الذهب الأبيض، وتحولت
المنطقة من أرض صحراوية قاحلة لا تسكنها الرمال الى جنة غنية تسيل لعاب الاستعمار.
هكذا تمت عملية اكتشاف معدن الفسفاط في الصحراء الغربية، وحدث ذلك سنة 1947م، ورغم
أن اكتشافه كان صدفة، وبدون أي جهد الاً ان أسبانيا تدعي أنه أُكتُشف من طرف
شقيقين اسبانيين كانا ينشطان في التنقيب عن المعادن في الصحراء الغربية احدهما هو
مانويل أليا مدينا، لكن الحقيقة غير ذلك.
حين
بدأت اسبانيا تبحث عن المعادن في الصحراء الغربية، تأسست منظمة الامم المتحدة في
شهر كتوبر سنة 1945م ، تحت شعار تمكين الشعوب من تقرير مصيرها، ولتقوم بمهمة الحكم
في الكرة الارضية التي كادت تدمرها الحروب وعدم الاستقرار والانفجارات التي سببتها
نزوات المغامرين والمجانين، خاصة بعد الدمار الذي خلفته الحربان العالميتان الاولى
والثانية. تأسست الامم المتحدة على مبدأ الحرية والسيادة لكل سكان الارض، ونادت كل
الشعوب للإنضمام اليها، وفتحت أبوابها لكل الدول التي تنوي المساهمة في إقامة
السلام، دون إكراه، ودون التفريق بين أي شعب وآخر، صغيرا كان ام كبيرا، أبيضا أو أسودا
أو أصفرا، من أي جنس أو عرق، لكن بشرط الالتزام بقانونها الذي يسمح بالعضوية لكل
دولة مستقلة تريد الانخراط في صفها. لم تنضم أسبانيا الى منظمة الامم المتحدة غداة
تاسيسها رغم توفر كل الشروط التي تسمح لها بذلك، ووضعت علامات استفهام كبيرة وراء
ذلك الرفض والتردد.
الواقع ان أسبانيا تصورت أن الأمم المتحدة
ستكون بمثابة الصاعقة التي ستنزل على الاستعمار في كل بلدان العالم، وأنها ستنهي
هذه الظاهرة بسرعة، وستحول الشعوب المستعمرة الى شعوب حرة، وبسبب تخوفها من
القانون العالمي، فقد رفضت الدخول الى ساحة الامم المتحدة، وفضلت الانتطار خارج
اسوارها حتى لا تفقد مستعمراتها الافريقية، خاصة الصحراء الغربية التي لازالت أبحاثها
مستمرة فيها، ويعز عليها ان تترك هذه الاراضي عذراء دون استغلال مناجمها ومعادنها.
لقد وجدت أسبانيا ان الفكرة الوحيدة التي ستؤجل تواجدها في مستعمراتها، هي عدم
التقرب من الامم المتحدة، وعدم التسرع في الانضمام اليها ريثما تظهر على حقيقتها.
وبسبب عدم انضمام اسبانيا للامم المتحدة، فقد دخلت الصحراء الغربية خانة النسيان
والصمت، ولم تسأل الامم المتحدة عنها، شأنها شأن الكثير من الدول الافريقية
المستعمرة انذاك. بعد اكتشاف الفسفاط ظلت أسبانيا بعيدا عن الامم المتحدة تنهب
خيرات الصحراء بصمت، وتقيم مشاريعها كيفما أرادت، في وقت كانت فيه المنظمة منشغلة
بترتيب فروعها وصياغة قوانينها.
في 10ديسمبر 1955م انضمت أسبانيا، رفقة 15دولة أخرى
الى منظمة الأمم المتحدة، بعد عشر سنوات من تأسيسها. لقد ظهر لها ان الامم المتحدة
لم تقم بأي عمل فعلي لاخراج الدول الاستعمارية من مستعمراتها، ولم يعد هناك أي
مانع من انضمامها الى المنظمة، جنبا الى جنب، مع دول استعمارية اخرى تتمتع
بالعضوية الدائمة، وتحتفظ بمستعمراتها في بقاع كثيرة من العالم مثل فرنسا وبريطانيا.
إن دخول أسبانيا الى الامم المتحدة هو نوع من طلب الصفح من العالم، فهي دولة
معروفة بنظامها الديكتاتوري الذي سيطر على الحكم بعد الحرب الأهلية، والذي بسببه
تولد لدى الراي العام العالمي نوع من الإستياء منها، وبقائها خارج المنظمة يثير
حولها الشكوك، وقد يجلب اليها غضب الدول العظمي التي أسست الامم المتحدة وصاغت
قوانينها.
واستمر نسيان مستعمرة الصحراء الغربية مدة عشر
سنوات، فمنذ تأسيس الامم المتحدة الى غاية قبول أسبانيا فيها لم يوضع لها أي ملف،
ولم يحدث أن ذُكر اسمها ولو بالإشارة كأرض مستعمرة، ولم تسجل في قائمة الدول غير
المستقلة وهو ما ساعد اسبانيا لتبالغ في صمتها وتعتيمها حول المنطقة الغنية
بالخيرات.
يرجى تسجيل تعليقات ذات قيمة حتى يمكن ادراجها في الموقع الإبتساماتإخفاء