لم تتحقق الوحدة العربية التي تمناها العرب
وخطباؤهم الكثيرونفي كل خطاباتهم وأشعارهم وكتاباتهم. لم تتحقق الوحدة العربية
كحلم خفقت معه قلوب ملايين العرب من المحيط إلى الخليج؛ لم تتحقق لأن ولأن والأن.
الآن يظن العرب جميعا أن ذلك الحلم ولى وإلى الأبد وخاب نهائيا أيضا أو إذا أردنا
قول الحقيقة بعيدا عن العاطفة قد يتطلب أجيالا وأجيالا لتحقيقه. باختصار، لم تتحقق
الوحدة العربية بسبب عدم ظهور الدولة المحورية التي يستمع إليها الجميع ويطمع فيها
الجميع ويخشاها الجميع. مصر كانت تدعى أنها هي الدول المحورية، سوريا أيضا،
العربية السعودية وأخيرا ليبيا. إن عدم التسليم للدولة المحورية كان سبباً بيِّنا
من جملة أسباب أخرى من بينها التخلف التقني والتبعية السياسية والخوف من إسرائيل
وأمريكا و عدم رضا الغرب عن وحدة بترولية وتاريخية قوية.
إن ذات الأسباب التي أدت إلى عدم تحقق الوحدة
العربية هي التي نراها اليوم أمام أعيننا تمنع تحقيق الاتحاد المغاربي
مع فارق واحد وهو أن الدول
العربية التي كانت طامحة لتكون زعيمة العرب هي كثيرة بينما في المغرب العربي توجد
دولة واحدة هي التي أفشلت بناء المغرب العربي: أعنى بها المغرب الأقصى وحده.
مثلا: في الاتحاد الأوروبي توجد دولتان هما
اللتان تنسقان فيما بينهما لتخطيط سياسة هذا الاتحاد، وهما ألمانيا وفرنسا، أما
بقية الدول فهي لا تفعل أكثر من الموافقة فقط والدفاع عن مصالحها الضيقة. ورغم أن
دستور هذا الاتحاد يلح على كذا وماذا مما لا داعي لذكره هنا، إلا إن الحقيقة أن
فرنسا وألمانيا معا هما الدولتان المحوريتان اللتان تخططان سياسة هذا الاتحاد.
بالنسبة للاتحاد الإفريقي هو أيضا لا يستطيع
القيام بأي عمل دون موافقة دوله الثلاثة المحورية: الجزائر، نيجيريا وجنوب
إفريقيا.
دول الخليج العربي أيضا لا تستطيع القيام بأي
عمل دون رضا السعودية.
في المغرب العربي، هو أيضا قضيته محسومة:
الجزائر هي الدولة المحورية تاريخيا وجغرافيا واقتصاديا. هذه الحقيقة تعرفها جميع
الشعوب المغاربية وعليها أن تؤمن بها وتكون واقعية في التعامل معها حتى لو كان ذلك
صعباز
وإذا
كانت هذه حقيقة فإن المغرب الأقصى وحده هو الذي لا يريد التسليم للجزائر بصفة
الدولة المحورية في المغرب العربي. هنا تكمن المشكلة: أتحاد المغرب العربي سيكون
مصيره مصير الوحدة العربية ما لم يتم التسليم للجزائر بالزعامة والقيادة. فالمغرب
يظن أنه بتلقي الدعم الغربي الكامل وباحتلال الصحراء الغربية سيكون هو الدولة
المحورية.
في الواقع المغرب لا يستطيع أن يكون الدولة
المحورية في المغرب العربي فهو لن يبقى محتلا للصحراء الغربية، ومن جهة أخرى لا
يتمتع بأي مقوم ولو وحيد يؤهله ليكون دولة محورية، لإن الدولة المحورية يجب إن
تكون قوية اقتصاديا وتاريخيا وموقعها جيد جغرافيا، والمغرب لا يتوفر على أي صفة من
هذه الصفات.
قد يوجد بين الحالمين المغاربيين من يقول
" لماذا لا يكون الاتحاد المغاربي مثل الاتحاد الإفريقي أو الأوروبي؛ أي يكون
له دولتين محوريتين: الجزائر والمغرب مثلما هو الحال مع فرنسا وألمانيا في الاتحاد
الأوروبي." إن المشكلة في هذا النوع من التفكير هي أن المغرب الأقصى لا ينفع
أيضا ليكون شريكا كدولة محورية في المغرب العربي. إن الدولة المحورية لا يجب إن
تكون بالطموح ولا بالحلم فقط؛ الدولة المحورية تتطلب قدرات اقتصادية بالدرجة
الأولى وقدرة على دفع الثمن كلما كان هناك خلل في سياسة أي اتحاد، وهو ما لا قدرة
للمغرب الأقصى عليه.
إن شعوب الاتحاد المغاربي الغلابى الذين
يحلمون بتحقيق اتحادهم المغاربي يجب عليهم التحلي بالصبر الجميل والتخلي عن الحلم
الطويل بتحقيق الاتحاد المغاربي، وان يرضون بما رضا به إخوانهم العرب حين لم تتحقق
وحدتهم العربية التي كان الحالمون بها قطعا أكثر من الحالمين المغاربة. وما لم
يكون المغرب الأقصى وحده واقعيا ً ويسلم بالحقيقة التي قد تكون مرة في تفكيره وهي
الاعتراف أن الجزائر هي الدولة المحورية فلا مغرب عربي ولا هم يحلمون.
يرجى تسجيل تعليقات ذات قيمة حتى يمكن ادراجها في الموقع الإبتساماتإخفاء