حققت انتفاضة الاستقلال إنجازات تاريخية عملاقة لم يكن العالم يتصور
أن تتحقق في ظلالرعب والقبضة الحديدية المغربية المعروفة تاريخيا وعالميا
بهمجيتها. فقد حازت هذه الانتفاضة الصحراوية على شهرة لم تحوز عليها انتفاضة من
قبل، وفرضت على المغرب، بفضل طول نفسها، أن يراجع سياسته اتجاهها، وأن يرفع مرغما
يد بطشه عن المظاهرات السلمية. فبعد ما حدث أدين المغرب من طرف المجتمع الدولي،
وأصبح موضوعا تحت المجهر بسبب سوء تصرفه مع الانتفاضة السلمية. إن الصورة التي ظهر
بها الاحتلال والتوبيخ الذي تلقي يعطي للانتفاضة مجالا أوسع للحركة السلمية،
وسيحرر المواطن الصحراوي من الخوف الذي سببه له التجاهل الدولي له من قبل
أثناء وقوع انتفاضات سابقة. إن ما حققته
الانتفاضة من تطور شكل بداية الاستيلاء الفعلي للصحراويين على رموز سيادتهم فوق
وطنهم، فالعلم الوطني يرفرف كل يوم فوق المباني، ومع الوقت سيتآلف الاحتلال معه
ويقبل به كحقيقة، أما الساحات والميادين فكلها الآن تحمل أسماء رموز صحراوية بعد
أن أزيحت أسماء الاحتلال.
إن الذي يعرف أن 15% من قوات الأمن المغربية متواجدة في الصحراء
الغربية لمهمة القمع يعرف أن الانتفاضة نجحت في تخطي هذه القوة وقهرتها. إن مثل
هذا الانتصار يجعل الانتفاضة تقطع خطوة إلى الأمام في سبيل إفراغ التواجد المغربي
في الصحراء المحتلة من محتواه بانتزاع
رموز السيادة منه وتركه يمارس دور الشرطي المحتل فقط.
فمثلا حين نحدد، نجد أن انتفاضة كديم إزيك كانت هي الشرارة التي جعلت
العالم العربي يثور على أنظمته، وهي أيضا التي جعلت المغاربة، خاصة حركة 20
فبراير، تتخلص من الخوف وتخرج إلى الشارع.
بفضل هذه الانفتاضة استطاع الشعب الصحراوي الصغير عدديا، القوي معنويا،
أن يخوض معركة عنيفة ضد محتل بشع ومجرم، ومع مرور القوت كان يربحها شيئا فشيئا.
ففي البداية كان استراتيجية هذا الشعب، خاصة من تواجدوا منه في المدن المحتلة،
مبنية على الوحدة والتماسك للتصدي لمخطط العدو الهادف إلى ارتكاب جريمة الإبادة
الجماعية. إن التصدي لمخطط جهنمي مثل هذا كان، إذا أردنا قول الحقيقة، يتطلب
تضحيات كبيرة وجسيمة: السجن، الاعتقال، التشتيت، الاختفاء القسري، الإعدامات، قتل
النساء والأطفال، ترك الناس يموتون ببطء عرضة للأمراض، التهجير. إن التغلب على هذه
العذابات مجتمعة وهذه الجرائم جعل الشعب الصحراوي يدفع الثمن غاليا: استشهد الآلاف،
غُيب الألاف، خرج الآلاف معطوبين ومنكوبين، حدثت المجازر، حدثت النكبات. حين تأكد
الشعب الصحراوي إن استراتيجية الإبادة لم تنجح ضده، وان الاحتلال تم إنهاكه، بدأت
المرحلة الثانية من استراتيجيته: الشروع في انتفاضة مفتوحة تحت شعار" لا بديل
عن تقرير المصير"؛ انتفاضة تهدف إلى جعل الاحتلال يعترف في الأخير بأن الشعب
الصحراوي حقيقة على الأرض يجب الاعتراف بها.
إن المقاومة السلمية التي انتهجها الشعب الصحراوي في المدن المحتلة حدثت
على مرحلتين: مرحلة التصدي للتصفية، ومرحلة ردة الفعل على شكل انتفاضة.
بالنسبة للمرحلة
الأولى، كان كل الفعل مكرسا للتصدي لمخطط الاحتلال المغربي القاضي بإبادة وتصفية
الصحراويين على الهوية. هذه المرحلة كانت قاسية، مرعبة، مدمرة لكل وسائل المقاومة
البشرية، لكن طبيعة الصحراوي التي اكتسبها من قسوة صخور طبيعة الصحراء ومن
خشونتها، جعلته يصمد أمام التصفية وجرائم الحرب.. دامت هذه المرحلة سنوات عديدة،
انتهت بانتصار الصحراويين بعد أن دفعوا ثمنا باهضا: دفنوا ورائهم ألاف الشهداء،
استقبلوا ألاف المعتقلين المعطوبين، الجرحى والمدمرين نفسيا العائدين من السجون
المغربية الرهيبة.
أما المرحلة الثانية( مرحلة
المقاومة)، فقد بدأت مباشرة بعد إعلان الانتصار على التصفية. إن الذين خرجوا من
المعتقلات والسجون، حين تأكدوا أنهم نجوا وأنهم أحياء يتنفسون ويتلمسون الأشياء،
قرروا أن يقوموا بردة فعل في مستوى تضحياتهم ودماء شهدائهم: بدؤوا يخوضوا مقاومة
سلمية طويلة الأمد على شكل انتفاضة ومقاومة متواصلة شعارها " لا بديل عن
تقرير المصير".
يرجى تسجيل تعليقات ذات قيمة حتى يمكن ادراجها في الموقع الإبتساماتإخفاء