يبدو أن بان كي مون هو الأمين العام الأممي الوحيد
الذي عرف كيف" يسيير" ملف الصحراء الغربية دون أن يدوس على شوكة ولا
على لغم ولا على حجر، ولا على حتى ىبيضة ليكسرها.. فالأمناء العامون السابقون، منذ عهد ديكويار،
مرورا ببطرس غالي وكوفي عنان، خرجوا من الأمانة العامة وهم ملطخو الثياب والسمعة
بسبب تعاملهم الأعوج مع قضية الصحراء الغربية.. فديكويار جاء بمقاييسه المغربية
الخمسة المعروفة فثارت عليه حتى رمال الصحراء وغضب أهلها، وبطرس غالي جاء بوثيقته
الحل الوسط التي كانت تروم فرض على الصحراويين مقاييس ديكويار، وكوفي عنان تخلى عن
الاستفتاء في الأخير دون أن يلوم المغرب أو يوجه له أصابه الاتهام، وهو الذي شجع
بيكر على البحث عن حل في شكل حكم ذاتي تكون نتيجته تسليم السيادة على الصحراء
الغربية للمغرب..
جاء بان كي مون، وخلال ثماني سنوات وهو يلف ويدور
في نفس الدائرة المغلقة دون أن يثير غضب أحد الأطراف، وفي نفس الوقت كان يمثل
كوميديا سوداء يضحك على الطرفين معا من خلالها .. ففكرته التي تتضمن مفاوضات غير
مباشرة على أنقاض المفاوضات المباشرة –
وضع العربة أمام الحمار- كانت فقط عملية تسلية سياسية للمغرب وحتى للبوليساريو
كي يقتلا الوقت. أستغل الطرفان تلك المفاوضات العبثية وفي ذهن وخيال كل منهما
فكرته وأجندته الخاصة به : المغرب استغل وقت المفاوضات غير المباشرة كي يجعل
معنويات الصحراويين تتآكل أكثر بالوقت وصعوبة الوضع ليتم تحطيمهم معنويا،
والبوليساريو استغلت نفس المفاوضات غير المباشرة كي تتخلص من الحكم الذاتي بالوقت،
أيضا، مثلما تخلص المغرب، من قبل، من الاستفتاء..
أنتهت
عهدة بان كي مون وسيخرج من القضية خروج الشعرة من العجين، سليما معافيا دون أن يحل
القضية أو يُعقدها، ودون أن تسقط شعرة واحدة من رأسه..
الآن تأتي زيارته إلى أسبانيا والجزائر
والبوليساريو، وهي الزيارة التي يبدو أنه تعامل فيها مع الطرفين تعاملا لبقا، سلقا
أنيقا، وتركهما يفسران الأمر كما يحلو لهما. فمثلا زيارته الآن إلى المنطقة ستتم
قرءاتها من كل طرف كلما يحلو له. نبدأ بالاحتلال المغربي الذي أراد أن يمنع
الزيارة، وبعث حتى وفدا مغربيا سريا إلى كوريا الجنوبية كي تتدخل لدى مواطنها بان
كي مون كي تنصحه أو تضغط عليه حتى لا يقوم بزيارته تلك. فحين طلب المغرب من بان كي
مون أن يؤجل زيارته إلى المنطقة إلى شهر جويلية، أجلها لكن إلى المغرب وإلى العيون
المحتلة فقط، ومن جانب آخر أرضى البولساريو بأنه زارها في الوقت المحدد للزيارة،
وقل مناقشة قضية الصحراء الغربية في مجلس الأمن. مباشرة بعد معرفة أجندة الأمين
العام، بدأ اللعب بين الطرفين على زيارة بئر لحلو والعيون، ورمزية السيادة على
المنطقتين. فالمغرب اقترح على بان كي مون وعلى الوزير التونسي لقاءه في العيون،
لكن الإثنين تفطنا لقضية السيادة وقررا عدم لقاء الملك في العيون.. وحتى يعمل مكتب
بان كي مون عمل مخففات الصدمة أصدر بيانا يقول فيه " أن الأمين العام من حقه
زيارة بعثات الامم المتحدة في أي مكان- يعني أنه سيزور بعثة الأمم المتحدة في العيون
في جويلية القادم وسيزور بعثة الأمم المتحدة في بئر لحلو الآن. نوع من الضحك
المبكي الذكي.. من هنا استطاع بان كي مون أن يجعل إعلام الطرفين يطحن ويتطاحن ويفسر
كما يحلو له: المغرب سيميع الزيارة ويقول انها فقط لبعثات الأمم المتحدة في العيون
وبئر لحلو، وليس إلى الصحراء الغربية كبلد محتل، بينما إعلامنا نحن الصحراويين
سيبدأ يقول أن الأمين العام رفض لقاء الملك في العيون، وهذا رفض من أعلى سلطة في
الأمم المتحدة للاعتراف للمغرب بالسيادة على الصحراء الغربية، وأنه سيزور العيون
كعاصمة محتلة متحديا المغرب. أما زيارته إلى بئر لحلو، فإن المغرب سيقول انها
زيارة لبعثة الأمم المتحدة هناك، بينما من حقنا نحن أن نقول أنها زيارة لها أكثر
من رمزية:
-
أول مرة يزور أمين عام للأمم المتحدة المناطق الصحراوية
المحررة التي تمارس عليها البوليساريو السيادة كاملة غير منقوصة.
-
رمزية الزيارة أنها للعاصمة المؤقتة للدولة
الصحراوية التي هي بئر لحلو.
-
لها رمزية أخرى وهي أنها المكان الذي تم إعلان الدولة
الصحراوية فيه.
فهذه الرمزيات والدلالات لا يمكن لأحد ان ينكرها،
ويبدو انها لم تخطر على بال المحتل المغربي. فحسب تصوري أن المغرب لم يخطر على
باله أن بئر لحلو هي العاصمة المؤقتة للجمهورية الصحراوية، وكان يظن ان التفاريتي،
بسبب شهرتها بالمؤتمرات وتخليد الذكريات، وبسبب إزعاجها له، هي العاصمة المؤقتة
للجمهورية العربية الصحراية الديمقراطية.. فلو كان بان كي مون اقترح التفاريتي كان
المغرب تدخل كي يمنعه..
لكن النتيجة واحدة وهي إن بان كي مون سيخرج من تحت
دخان المعركة الإعلامية سالما معافيا دون أن يلومه أحد او يغضب عليه..
يرجى تسجيل تعليقات ذات قيمة حتى يمكن ادراجها في الموقع الإبتساماتإخفاء