ومع ذلك يعترف
المجتمع بدور المرأة في كسب الرزق إلى جانب الرجل،ويقدر ذلك الدور أيما تقدير.
يقول الصحراويون " إذا كان السبع يكتل فإن السبعة تكتل"( إذا كان السبع
يصطاد فإن السبعة الأنثى تصطاد أيضا" أي أنها تشارك في العمل الحطب جلب الماء
والرعي.
ويقولون أيضا:"
رزق المرأة تحت ركبتها او تحت صفتها)؛ أي إن رزق المراة سيأتيها في خيمتها ولا
داعي أن تذهب تبحث عنه. يقولون أيضا:" المرأة ما يرفدها ماهو دم
عرقوبها"، ودم عرقوبها يقصدون به الأبناء الذين تنجب، فهم الذين، في النهاية،
سيتكفلون بها ويخدمونها حين تصبح كبيرة وفي سن متقدمة.
يقولون أيضا"
اللي وصاك على امك حقرك"؛ أي بمعنى أن من أوصاك على أمك فقد أهانك واحتقرك
لإن الأم يجب أن تكون في مقدمة اهتمامات الإنسان لإنها هي كل شيء.
يقولون ايضا" كل
بلية سببها ولية"، أي إن كل مصيبة سببها امرأة.
ب)
المرأة الصحراوية في المعتقد الشعبي
في ما وصل إلينا من تراث
شفوي قديم ومعقد يستوقفنا أيضا إن هذا المجتمع، مثله طبعا مثل كل باقي مجتمعات الصحراوية،
كانت له معتقداته الخاصة به التي ابتدعها في بيئته. الأكثر من ذلك أن حضور المرأة وصورتها
في المعتقد الصحراوي وفي الخرافات، مثله مثل حضورها في الأدب، هو أكثر بكثير من
حضور الرجل.
يعتقد الصحراويون
اعتقادا يدعمه العلم إن ذكاء المرأة يسبق ذكاء الرجل وان قدراتها الجسدية والعقلية
تنمو قبل الرجل بكثير. في هذا الصدد يقول حكماء الصحراويين:" الطفلة تسبق
خلاقتها"( البنت تسبق عمرها" ويقولون أيضا " ما في النار نويرة ولا
في النساء صغيرة"، أي أن ابسط شرارة من النار ( نويرة) قد تشعل غابة أو مدينة؛
كذالك المرأة، حتى لو كانت صغيرة، فهي قادرة على فعل ما يفوق سنها. هناك تفسير آخر
لهذا المثل يقول : " إن البنت تستطيع إن تحمل وتتزوج وهي صغيرة السن".
حين يموت الزوج، كان
الصحراويون يتركون الخيمة مبنية كأنما لم يحدث أي شيء. أما حين تموت الزوجة فإن
الخيمة، حتى لو كان الزوج حيا وكان هناك الأبناء، تُطرح وتفكك وتبنى في مكانها
خيمة أخرى لكن بركيزة واحدة بدل ركيزتين. وحين نقوم بقراءة لهذا المعتقد يمكن إن
نصل إلى ما يلي:
- المجتمع كان يعتقد أن
موت الزوج لا يؤثر على سير الحياة في العائلة وان الأم وحدها يمكن أن تبقى تُسيير
شئون العائلة رغم صعوبة ذلك. أما موت المرأة الذي كان يرافقه تفكيك الخيمة فإن
معناه الجلي أن العائلة بدون الأم لا تستطيع أن تواصل الاستمرار في القيام بدورها
الطبيعي.
في
هذا المعتقد اعتراف مهم، من طرف المجتمع الصحراوي القديم، بدور المرأة والأم على وجه
الخصوص بجعل الحياة تسير بوضع طبيعي. إن المعنى الخفي لبناء خيمة صغيرة بركيزة
واحدة بعد موت الزوجة هو اعتراف جماعي أن المرأة رمز لكبر الخيمة ورمز أنها هي
ركيزتها الأساسية، وأن دور الرجل في تماسك الأسرة هو ثانوي.
في
أوقات الجفاف، حين تحترق الصحراء وتجف منابع الآبار ولا يسقط المطر كان الصحراويون
يلجئون إلى الاستسقاء وإلى الأطفال والنساء. كان الرجال يوزعون السكر والتمر على
الأطفال ويطلبون منهم أن يخرجوا إلى الخارج ليطبلون السماء بعضا من المطر وهو
يرددون:" زيدي زيدي يالسحاب... رقب(ارتفع) رقب يالنو".( أمطري يا سحاب
وارتفعي أيتها الأنواء) وحين لا ينفع مع الجفاف استسقاء ولا ضراعة
الأطفال كانت النساء الصحراويات تتدخلن في اللحظة الأخيرة؛ يخترن من بينهن أجمل
واحدة في لفريك ( المخيم) ويطلبن منها أن تخرج وترفع وجهها إلى السماء وتطلب
المطر. في بعض مناطق أخرى من الصحراء كانت النساء، حين لا يسقط المطر، يخرجن إلى
خارج لفريك( المخيم) وفي أيديهن جلود الخرفان يضربن بها بعضهن البعض ظنا منهن أن
ذلك قد يجعل المطر يسقط. وحين لا ينفع شيء من ذلك كله تلجأ النساء إلى صناعة دمية
كبيرة تسمى " تغنجة" ثم يمررن بها من وسط المخيم وهن يغنين: تغنجة شقت
لمراح يا ربي سيل بطاح
(
مرت تغنجة من وسط الحي.. ياربنا أنزل المطر).
أما
حين ينزل المطر بغزارة وتحدث الفيضانات، كان الصحراويون يلجئون أيضا إلى النساء
ليطلبن منهن التدخل. وإذا كان طلب نزول المطر كان يتطلب خروج امرأة جميلة إلى
الخارج لتولي وجهها شطر السماء، فإن منع هطوله بغزارة كان يتطلب أن تختار النساء
من بينهن واحدة غير جميلة ويطلبن منها أن ترفع وجهها إلى السماء تطلب إيقاف
الهطول. إن المرأة غير الجميلة التي يُعتمد عليها لإيقاف المطر تسمى " حابسة
السحاب."
كان
الزوج إذا غاب في رحلة يقول إخوته" إديرو عند ظن زوجتو ولا إديرو في ظن
أمو" بمعنى "اللهم اجعله عند ظن زوجته ولا تجعله عند ظن والدته."
ورغم أن الأم، غريزيا وطبيعيا، تحب ولدها أكثر مما تحبه زوجته إلا إن المعتقد
الشعبي الصحراوي ينحى منحىً آخر. إذا غاب رجل ما فإن زوجته وأمه، بديهيا، سيفكران
فيه لكن بطريقة مختلفة: الأم ستقول انه ربما يتعرض لمكروه أو يمرض أو حتى يموت،
أما الزوجة فإن أكثر ما يساورها إن زوجها في غيابه ربما يتزوج وربما يجد امرأة
أخرى فتعجبه ويبقى معها. ومن هنا يبرز لماذا يفضل الناس ظن و تمني الزوجة( أفراح
دائما) على ظن الوالدة( الخوف).
يرجى تسجيل تعليقات ذات قيمة حتى يمكن ادراجها في الموقع الإبتساماتإخفاء