أنفصام الشخصية عند المثقفين المغاربة: نقرأ مقال زهير الواسيني، الصحفي المغربي بالتلفزيون الإيطالي

تمهيد للدخول في المقال: يبدأ الصحفي المذكور مقاله بالكثير منالشجاعة والصراحة والصدق، حتى ليظن القارئ أن هناك من تكلم أخيرا في المغرب ونطق بالحق.. كل ما كتبه الصحفي في البداية شجاعة منقطعة النظير، وهي أول مرة يتحدث بها مغربي بهذا التجرد الذهني من عقلية المخزن، لكن في نهاية المقال يبدو أن صفا الذهن ذلك وتلك الشجاعة، والتجرد من الخوف من المخزن كان فقط تناقضا. سرعان ما عاد الصحفي الذي ظنناه شجاعا، عاد إلى حظيرة المثقفين المغاربة الذين يرون ان ما يقوله الملك والمخزن هو دائما فوق التفكير وفوق العقل. عاد ليقول أن البوليساريو هي خدعة، وان اللمغرب حقائق تاريخية يدافع بها عن "مغربية" الصحراء  .. هذا مضحك، أكثر من مضحك..   
نقرا المقال ففيه الكثير من الشجاعة التي يبدو أن المخزن لن يتركها تمر، خاصة أنه مقال منشور في صحيفة المخزن هسبريس..
" لعل رد الفعل الطبيعي الذي يعبر ذهن من يحس بأن قضية المغرب الوطنية تمر بمرحلة حرجة هو أن يقول وبصوت عال: "لي دارها بيديه يفكها بسنيه".
الكثيرون حاولوا تنبيه "أصحاب الحال" بأن اختياراتهم غير صائبة، وبأن أسلوبهم في التعامل مع العالم يفتقد لأدنى فهم للمتغيرات التي تؤثر في مجريات الأحداث، أكثر من ذلك إن أنت "تجرأت" وحاولت أن تنبههم إلى أن الطريق التي اختاروها لن نجني من ورائها سوى الويلات، فإن أهون ما يرمونك به هو العجرفة و"الفهامات"، متكئين في ذلك على سلطة أفهمتهم أنهم فوق المحاسبة، وأن كل من ينتقدهم هو إما معتوه أو خائن.
بالطبع نحن نمر الآن بمرحلة تهييج الرأي العام: أن نقول للعالم إننا لا تهمنا آراء الآخرين، وإن الصحراء صحراؤنا، أحب من أحب وكره من كره، تذكروا جيدا كل ما كتب خلال أزمة أميناتو حيدر، وكيف أن هناك من "هدد" بالتخلي عن جنسيته المغربية إن هي عادت للصحراء.

القصة معروفة: السيدة عادت وما كان على مسؤولينا سوى "أن يبلعوا ريقهم"، ومعه كل التهديدات الجوفاء التي أطلقوها يمنة ويسرة، الآن نحن بصدد معركة دون كيشوتية أخرى، تحتاج إلى عقلاء قبل فوات الأوان، فحبذا لو ينبري من يرفع صوته داخل قبة السلطان، ويقول ما قاله أحد الجنرالات لنابليون: "إنني هنا لخدمتك سيدي، لا لكي يعجبك كلامي"، وأكبر خدمة يمكن تقديمها اليوم للبلاد ولملك البلاد هي قول الحقيقة، ونعت الأمور بأسمائها دون مواربة أو خوف.
أكيد أن كل تحركات الأمين العام للأمم المتحدة هي محسوبة، لم ولن يكون بمقدوره أن يتصرف بالشكل الذي تصرف به إن لم يكن هناك ضوء أخضر من مجلس الأمن، وبالضبط من الولايات المتحدة، الأمر يتأكد حينما نرى مجلس الكونغرس يخصص جلسة "لانتقاد المغرب وانتهاكاته لحقوق الإنسان في الصحراء".
بان كي مون يريد أن ينهي ولايته تاركا "قنبلة الصحراء الموقوتة"، وقد أخذت مجرى أكثر حدة بإعادة الموضوع إلى السطح بعد أن تناسته الأمم، وردود فعل المغرب "المتهورة" أفادت كثيرا أطروحة بان كي مون، لأنها صورت الرباط كقوة متعجرفة تتمرد على قرارات الأمم المتحدة.
كون القضية مرتبة بشكل دقيق يؤكده كذلك تصريح رئيس مجلس الأمن، ووزير خارجية أنغولا، الذي وصف الصحراء بـ"الإسبانية"، هناك تكالب لفظي لجر المغرب والمنطقة نحو مستنقع تم إعداده بإتقان، ما الغاية؟ هذا ما يجب البحث فيه وبتجرد.
من أبجديات الإعلام اليوم أن الانطباع أهم بكثير من الحقيقة، لا تهم الوقائع بقدر ما تهم الصورة التي تترسخ في مخيلة المتلقي، والطريقة التي تصرف بها المغرب ولازال يتصرف بها إلى يومنا هذا تعطي انطباعا بـ"عنجهية" غير مسبوقة.
أسلوب التسويق لقضيته قديم ويستعمل فيه تقنيات عفا عنها الزمن، والهاجس دائما هو إقناع الرأي العام الداخلي، والأسطوانة هي نفسها لا تتعدى الحق التاريخي، على مستوى التواصل: الصورة التي تصل إلى العالم هي صورة دولة "محتلة".
لقد زرت الصحراء أكثر من مرة، وحز في نفسي أن أرى ذلك الأسلوب المخزني المقيت الذي تتصرف به الإدارة المغربية في كل مكان، والذي يعتقد الأخوة الصحراويون أنه حكر عليهم.
أبدا، هكذا تصرفوا دائماً حتى مع إخوتهم في الشمال، فالمخزن كان دائماً "ديمقراطيا جدا" في إهانة وتهميش كل من سولت له نفسه انتقاده أو التشكيك في "عصمته" رغم أنه وللموضوعية يجب أن نعترف بأن تصرفات "المخزن" قد تحسنت كثيرا في السنوات الأخيرة، ولكن ذلك لا يكفي.
عقلية "المخزن" بسيطة: من ليس معنا هو ضدنا!! وهذا أكبر خطأ يمكن ارتكابه في حضن دولة تتوق إلى ديمقراطية حقيقية أو شبه حقيقية، فمن يدعو للانفصال بدون عنف يجب احترامه والعمل على إقناعه بأن اختياره مضر بالصحراء وبالمنطقة كلها.
الإقناع يحتاج إلى حجة والحجة تحتاج إلى عقل، وهو ما نفتقده ساعة معالجة هذا الموضوع.. إشعال عواطف الشارع هو سيف ذو حدين، وماذا يجب قوله للرأي العام حينما سينزل الخبر-الصاعقة؟ خوفي أن هذه المرة لن تسلم العاقبة وسيدفع المغرب فاتورة أخطاء تراكمت أربعين سنة.
أكيد أن شهر أبريل سيحمل معه الجديد، فكل المؤشرات تبرز أنه ليس في صالح المغرب، وعلينا إذن أن الاستعداد للأسوأ، والانطلاق نحو تفكير مغاير لشرح موقفنا بشكل أفضل، وأول ما يجب استيعابه هو أننا نلعب مباراة شطرنج من مستوى عال وليس "الضامة"، لذا المطلوب من كل من لا يحسن قواعد اللعبة أن يترك الرقعة لمن يتقن المناورة.
في عشاء مع بعض الزملاء الإيطاليين، وخلال التطرق لموضوع الصحراء، قال لي أحد الوجوه المعروفة في التلفزيون: "البوليساريو أكبر خدعة عرفها العالم"، الصحافي سبق له أن زار مخيمات تندوف وفهم بسرعة أن خيوط اللعبة في يد السلطة الجزائرية، وبالتالي استنتج أن تصور "الرفاق" في البوليساريو مؤسس على قواعد دعائية وإيديولوجية لا يمكنها أن تخفى على أصحاب الحرفة.
أكيد أن الجبهة الانفصالية وبإيعاز من الحكومة الجزائرية تراهن على عزل المغرب، وإذا كنا واقعيين فإنه يجب الاعتراف بأنهم نجحوا بشكل كبير في تحقيق ذلك.. فالمغرب اليوم مهمش إفريقيا ومحاصر أوروبياً والآن "كملها وجملها" بهذا الصراع المتهور مع سكرتير الأمم المتحدة، أي إن المغرب تقريبا "يلعب مباراته المصيرية" ليس ضد الجبهة الانفصالية، وإنما ضد العالم بأسره.. من وضع البلاد في هذا الموقف يجب أن يتحمل مسؤوليته.
"خدعة" البوليساريو كانت أكثر إقناعا من "حقائقنا" التاريخية، لأننا قصرنا جميعا في شرح موقفنا للعالم، وبلغة مفهومة و"متواضعة" عوض "أغنان" الخاوي.
إن الاعتقاد بأن الحكومة الجزائرية لا تفهم سوى لغة القوة، وهو اعتقاد سائد لدى أصحاب القرار في المغرب، يوازيه المنطق نفسه لدى السلطات الجزائرية في ما يتعلق بالمغرب، والنتيجة هي تخريب منطقة كاملة بصراعات ثانوية تدفع ثمنها الشعوب.
التحديات الحقيقية والمتعلقة ببناء ديمقراطيات فعلية واقتصاد مستقل تركت كلها جانبا لإضاعة الوقت في مشكل كان يمكن تسويته وبسهولة في إطار مغرب كبير قوي.. أن تصبح الدولتان من أكثر الأمم اقتناء للأسلحة يمكن أن يفسر جيدا من المستفيد من هذا الشرخ الذي يمزق المنطقة، فأربعون سنة تكفي، والآن نحن أمام مفترق طرق يوجب على المسؤولين في الدولتين وفي الجبهة أن يكونوا في مستوى الأحداث.
ميدانيا وأمنيا، المغرب انتصر وهو موجود على الأرض، وإذا أراد فإنه قد "يكبرها" لدرجة لا يمكننا توقع النتائج اللهم أنها ستكون وخيمة على الجميع، والبوليساريو يجب أن يكون "فخورا" بانتصاراته الإعلامية والدبلوماسية، ولكن يجب أن يعي أن أي حل على حساب المغرب سيفجر المنطقة.
الاستقلال التام غير منطقي وغير واقعي، وبالتالي يجب أن تكون هناك تنازلات، والجزائر يمكن أن تحل مشاكلها الداخلية، وهي كثيرة بسبب انخفاض أسعار الغاز والنفط، عبر مغرب كبير قوي ومنفتح.
الجميع اليوم أمام لحظة الحسم، لتجنيب منطقتنا ما تعاني منه مناطق أخرى في العالم العربي من حروب وصراعات..نحتاج اليوم إلى رجال دولة لهم القدرة على فهم التحولات العالمية، والتي عادة ما تصب في اتجاه معاكس لمصالح الشعوب العربية. المهم الآن هو الابتعاد عن العنتريات التافهة واستعمال العقل، وأعتقد أن لدى كل أطراف النزاع من العقلاء ما يكفي لإيقاف هذا النزاع الذي طال أمده.


يرجى تسجيل تعليقات ذات قيمة حتى يمكن ادراجها في الموقع الإبتساماتإخفاء