ربما لم يعرف جيش
التحرير الشعبي الصحراوي فيلقا من فيالقه المغوارة استطاع أن يحافظ على وحدته
وتماسكه، ولو معنويا، مثلما فعل فيلق الشباب، فيلق الشهيد الناجم التهليل في
الناحية الخامسة. فهذا الفيلق الذي تكَّون في ظروف خاصة جدا طبعتها فكرة التطوع
التي تم اللجوء إليها في سنة 1986م لتعويض النقص في العنصر البشري وفي الصفوف
الأمامية ولحمل اسلحة الذين كانوا يستشهدون في المعارك. ورغم أن هذا الفيلق لم
يشارك كثيرا في الحرب إلا أنه استطاع أن يحافظ على روح الفيلق الحقيقي فيه: فيلق متحد ومتماسك ومحافظ على
عقيدة الفيلق. فهذا الفيلق تكَّون من خيرة شبان وطلبة سنة 1986م الذين تطوعوا تحت
شعار " نفضل الشهادة في سبيل الوطن على الشهادة المدرسية". هؤلاء تركوا
مقاعد الدراسة وأقلامها وشهاداتها، وتطوعوا وهم يفكرون أنهم سيصبحون مقاتلين شجعان
يكتب لهم التاريخ مستقبلا أنهم حسموا الحرب مع العدو، أو، على الأقل، ساهموا بقوة وبشرف في حسمها.
كان هذا هو تفكير أولئك الشبان يوم سجلوا أنفسهم في لوائح التطوع، وركبوا الشاحنات
التي حملتهم وهي تزأر بحماس قاطعة الصحراء إلى مدرسة الشهيد الولي العسكرية(
المقاطعة). لكن لم يدور في خلد أي من أولئك الشبان المتحمسين للقتال والشهادة أن
الحرب التي تطوعوا ليحسموها باجسادهم وشجاعتهم ستنتهي حين ينهون هم تكوينهم
العسكري الشاق الذي دام طويلا ويصبحون جاهزين، معنويا وبدنيا، لخوض المعارك
الطاحنة. كان توقف الحرب أكبر ضربة تلقاها مقاتلوا ذلك الفيلق الشاب المتحمس. فبعد
ست سنوات من التدريب الشاق على التحمل وعلى المسيرات الطويلة وعلى التعامل مع
الآليات المدرعة الحديثة، وبعد أن أصبحوا فقط ينتظرون الأمر بالتوجه إلى ميدان المعركة جاءهم الأمر المعاكس
الذي لا مفر منه وهو أن الحرب أنتهت، وأن رايات "السلم" الزرقاء هي التي
يجب أن ترفرف الآن فوق رؤسهم بدل رايات الحرب الحمراء المعقودة على نواصي الشهداء.
لم يحصل أولئك الشبان مثلما حلموا لا على الشهادات المدرسية ولا على الشهادة في
سبيل الوطن. نهاية مغامرة غاية في الوطنية تنتهي نهاية هكذا: لا حرب ولا سلم،
وبينهما مهلة لا تنتهي من الانتظار المر.
وإذا كان شبان ذلك
الفيلق قد تطوعوا ليحسموا الحرب او يكونوا قوة صاعقة ضاربة فيها فإن مرحلة السلم بقوتها
الناعمة وسمها استطاعت أن تفككهم، واحدا واحدا، بهدوء وبدون ضجيج، وتنتقم من
معنوياتهم وارواحهم التي كانوا يريدون تفجير الحزام الدفاعي للعدو بها..
لكن مع ذلك، وتأسيا
عن ما حدث من تفكك جسدي ومادي، أستطاع ذلك الفيلق بقوة معنوية عجيبة أن يحافظ على
شتاته وعلى تلاحمه بمحاولة خلق فضاءات وبانورامات أخرى للتلاقي والتواجد غير فضاء المعركة
والمعسكر. أصبح عناصره يقومون بمبادرات جماعية بمررات مختلفة يجتمعون فيها كي
يحيون ذكرى فيلقهم الشاب الذي تكفل السلم الكاذب بتفريقه من خنادق القتال. فخلق
هذا النوع من المبادرات للتلاقي هي معادل فني أن أولئك الشبان، في أعماقهم، يريدون
أن يبقون متماسكين متواجدين في نفس المكان.
فبعد حوالي خمسة عشر
من بداية تفكك ذلك الفيلق بتلك الطريقة الناعمة غير الملموسة لازال عناصره
متوحدون فكريا ومعنويا وانضباطا، ولازالوا
يحافظون على عقيدة الفيلق الذي تصوروا في يوم من الأيام أنهم سيحسمون الحرب تحت
رايته الخفاقة.( يتبع)
يرجى تسجيل تعليقات ذات قيمة حتى يمكن ادراجها في الموقع الإبتساماتإخفاء