قبل تواجد الأمم المتحدة
كانت المعارك والانتصارات العسكرية تصنعالتوجه العام للصحراويين، وكانت قلوبهم
تخفق مع كل انتصار، لكن بعد حدوث ما سُمي "وقف إطلاق النار" ذهبت القضية
إلى جهة الظل، ولم تعد في أولويات العالم والإعلام والصحافة، وكاد الصحراويون
يُنسون في عالم ذاكرته مثقوبة ويَنسى بسرعة. حين جاءت الانتفاضة أعادت القضية إلى
مكانتها، وأصبحت على كل لسان وفي كل ميدان. من جديد انشغلت الصحافة الدولية
بالحدث، وفُرض على الأمم المتحدة أن تهتم
بالموضوع، وأن تعد تقريرا يوبخ المغرب ويضعه على رأس الدول ذات السمعة السيئة في
مجال حقوق الإنسان وحقوق الشعوب. فبسرعة أصبحت القضية الصحراوية هي العنوان،
والتفتت الجمعيات والمنظمات الدولية إلى الوضع في المدن المحتلة، فتعالت الأصوات
مطالبة بتدخل المجتمع الدولي لحماية المدنيين الصحراويين وإنهاء الاحتلال حتى لا
يحدث مزيد من انتهاكات حقوق الإنسان. وبقراءة الحدث من زاوية ثانية، لم يبق
الحقوقيون الصحراويون مكتوفي الأيدي في انتظار أن يتحدث العالم عن قضيتهم، بل
سارعوا إلى الاتصال بالعالم الحقوقي ووجهوا رسائل إليه ليطلعونه على ما يجري في
الإقليم من خرق للقانون الدولي، ومن دوس للحريات الفردية.
حقوقيون ... سفراء
في الانتفاضات السابقة
كان المغرب يلتف بسرعة على المظاهرات، وبسرعة يغسل الشوارع والجدران من أثار ما
حدث ويبقى الفعل حبيس المدن المحتلة فقط. في هذه الانتفاضة قرر الحقوقيون
الصحراويون إيصال صوتهم إلى الخارج لا عن طريق الرسائل والمكالمات الهاتفية فقط،
لكن عن طريق الاتصال الملموس بالفعاليات الحقوقية في الخارج. فبعد حدوث أي انتفاضة
يسافر الحقوقيون إلى الخارج لشرح للعالم ما حدث وجها لوجه.. في الحقيقة وصل
الحقوقيون إلى أماكن لم تصلها الدبلوماسية الصحراوية من قبل، وزاروا جمعيات ومنظمات لم تعرف سابقا أي شيء عن
القضية الصحراوية. ولم يذهب هؤلاء فارغي الأيدي، بل حملوا معهم الدليل بالصوت
والصورة، فعرضوا الأشرطة وأقاموا المعارض والندوات الصحفية والمهرجانات التضامنية،
وأدلوا بشهاداتهم الشفهية وأبانوا عن الشهادات المرسومة على أجسادهم بفعل التعذيب. فسيدي محمد ددش مثلا حاز على جائزة رافتو
النرويجية للسلام، ودخل التاريخ كونه واحدا من الذين قضوا أطول مدة في السجن.
وبسبب صدق مسعاهم تجاوب العالم معهم، فمناضلة مثل مينتو حيدار فتحت مدن كثيرة لم
يزرها صحراوي قبلها، وحصدت جوائز عالمية لم نسمع أن مناضلا حقوقيا نالها من قبل،
وهذا اختراق باهر تاريخي سيسجله التاريخ للانتفاضة.
بعث الأمل:
شكل وقف إطلاق النار وعدم
تنظيم الاستفتاء وإصرار الأمم المتحدة على التواجد السلبي في المنطقة بعض الإحباط
لنفسية الصحراويين أينما كانوا خاصة في مخيمات اللاجئين. فبعد أن كانوا يصنعون الحدث بالمعركة العسكرية
ومعركة الاستفتاء وجدوا أنفسهم يصنعونه بالانتظار. لم يعد أمامهم مجال للتحرك،
وأصبحوا أسرى وضع خطير يفرض عليهم القبول به بكل سلبياته. فهم لا يستطيعون طرد
الأمم المتحدة خوفا من غضب العالم القوي عليهم، والأمم المتحدة غير قادرة على
تحقيق طموحاتهم القانونية، وهم غير قادرين على انتظار " غودو" مزيدا من
الوقت في اللجوء.
اندلاع
الانتفاضة نفًس عنهم غلواء الغضب الذي كانوا يكتوون به طيلة السنوات الضائعة، وجدد
الأمل في نفوسهم. لقد بشرت الانتفاضة هؤلاء بأن المتواجدين منهم مع الاحتلال حملوا
راية مواصلة الكفاح بالانتفاضة السلمية، وأعادوا للوطن مجده الذي كانوا يتخوفون أن
لا يعود قريبا في ظل الظروف الدولية الحالية الظالمة. وعلى العموم كان للانتفاضة
تأثير إيجابي على النفسية الصحراوية، فأمدتها بدفق جديد من الأمل والثقة بالنفس،
وجعلت الصحراوي يحس مجددا أن قضيته بُعثت من جديد، وأن هناك خلف الربوة يوجد أمل.
يرجى تسجيل تعليقات ذات قيمة حتى يمكن ادراجها في الموقع الإبتساماتإخفاء