المقاومة الصحراوية السلمية: الانتفاضة كإستراتيجية( دراسة يتبع)

 

" إن إدارة الاحتلال  تبدو لي على درجة غير عادية من الغباء.  ففي الوقت الذي نخرج نحن الصحراويين فيه إلى المدن نرفع الأعلام الوطنية الصحراوية، ونطالب بالاستقلال وتقرير المصير، تعود بنا هذه الإدارة إلى الماضي الاستعماري المقيت، وتقترح علينا حكما ذاتياً لا مكان له في أصل تفكيرنا وجذور نضالنا الطويل من أجل الحرية والاستقلال."

  سيدي محمد ددش معتقل صحراوي سابق وناشط   حقوقي.                    

أ) الانتفاضة كإستراتيجية .. الرياح تجري بما تشتهي سفينتها...

1) تنفس العالم لهواء الديمقراطية

قد يكون الكفاح السلمي الثوري الذي يخوضه الشعب الصحراوي في الأرض المحتلة حالة فريدة متفردة في التاريخ الحديث. فالكثير من أشكال الانتفاضات التي عرفها عصرنا الحديث- باستثناء الحالة الفلسطينية- لا يمكن أن تصنف تحت خانة الكفاح الثوري السلمي.  يمكن مثلا أن نطلق عليها المعارضة السلمية التي تحدث لتغيير أنظمة ديكتاتورية، أو التي تريد أن تفرض توجها سياسيا معينا، أو من أجل إيجاد بديل للحالة الاجتماعية والاقتصادية البائسة. لقد حدث الكثير من مثل هذه المعارضات في دول أمريكا اللاتينية وأوروبا الشرقية مثل حالتي رومانيا واوكرانيا، وبعد ذلك ثورات تونس، مصر، ليبيا، سوريا، اليمن، وهي الثورات والانتفاضات التي وصلت إلى ما أرادت: تغيير الأنظمة.

بالنسبة لحالة الكفاح السلمي الذي يخوضه الشعب الصحراوي في وطنه المحتل، فهو كفاح ونضال ضد الاستعمار ومن أجل حق تقرير المصير فقط. فالصحراويون خلال نضالهم الطويل والمرير، لم يخطر على أذهانهم يوما أن يسقطوا النظام المغربي، ولا يوجد في تصريحاتهم وأدبياتهم – حتى السياسية منها- إشارة ولو بسيطة إلى أن الانتفاضة هي من أجل تغيير نظام الملكية في المغرب، أو من أجل تحسين الظروف المعيشية والاقتصادية والاجتماعية لهم. إن الصحراويين يعتبرون أن نوع الحكم في المغرب، رغم انه أذاقهم المر مرين، هو شأن مغربي داخلي، والمغاربة هم أصحاب القرار في تركه أو في تغييره متى شاءوا.

إن المطالبة بتقرير المصير الذي يخوض الصحراويون انتفاضتهم الطويلة من أجله، سيجعل المغرب يخوض معركة مكلفة خارجيا وداخليا، ومع مرور الوقت سيخسرها. إن العالم يتجه إلى التمتع بالمزيد من حلاوة الحريات والديمقراطية، وهناك توجه عالمي جدي لتأييد المجموعات العرقية ذات الأصل الواحد والثقافة الموحدة مثل الحالة في التيبيت والحالة الكردية وحالات أخرى مغمورة لم تناقش إطلاقا، لكن عصرها آت.  إن التوجه لحل مشكلات هذه المجموعات العرقية، للحفاظ على ثقافتها وهويتها، لا بد أن يمر عبر تقرير المصير والديمقراطية. إن هذا الاندفاع السريع نحو الديمقراطية يصب، مع الوقت، في صالح القضية الصحراوية التي أصبحت أشهر قضية تقرير مصير في الأمم المتحدة. من جهة أخرى يعرف المغرب أنه لن يكون مثل الصين أو تركيا في الاستقرار والقوة. إنه بلد هش اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا ولا يتحمل الضغط كثيرا، خاصة أن الأصوات بدأت ترتفع من داخله تنتقد النظام، وتطالب بالديمقراطية الجراحية العلاجية وليس بديمقراطية المساحيق التجميلية. إن الإلحاح على الديمقراطية الحقة، بكل الوسائل، في المغرب، هو في صالح القضية الصحراوية أيضا، لأن هذه الديمقراطية لا يمكن أن تكون في بلد يمارس وظيفة الاستعمار في عصر غير عصرها. فمن داخل المغرب صارت المجموعات الحقوقية والشخصيات تفكر بصوت مسموع ، تتجرأ على إعطاء رائها المخالف لرأي القصر( الطابو) بخصوص قضية الصحراء الغربية. إن مثل هذا التوجه الذي بدأ التأسيس له في المغرب يعتبر إحداث صدع مهم في أحد الطابوهات المغربية.  إن رجلا مثل إدريس البصري الذي كان يسمى جزار الصحراويين تاب قبل إن يموت، وصار يصرح بملء الفم أن الاستفتاء في الصحراء الغربية هو الحل.

إن مغرب اليوم أو مغرب السنوات اللاحقة مجبر على السير في قافلة الديمقراطية وحقوق الإنسان، والالتحاق بهذا الركب، لا بد أن يمر، إجباريا، عبر احترام حق الشعب الصحراوي في تقرير المصير.

إن استمرار انتفاضة الاستقلال الصحراوية هي التي جعلت الشعب المغربي ينزع عنه عباءة الخوف، يتجرأ ويخرج إلى الشارع، وسيجعل المعارضة تكون حقيقية وليست كرتونية، وفاعلة بدل مصفقة لسياسة القصر البالية. فلو لا تضحيات الصحراويين، نضالهم وانتفاضاتهم، خاصة ملحمة كديم إزيك، لما كانت حركة مثل حركة20 فبراير المغربية تستطيع أن تخرج إلى الشارع، وتقول، للمرة الأولى في تاريخ المغرب، لا للملكية المطلقة ولا للفساد.الآن أصبحت أصوات كثيرة ترسل إشارات تحذيرية للقصر، وتقول له إما أن تُحل قضية الصحراء الغربية أو ينفجر المغرب من الداخل مثل رومانيا وأوكرانيا والأنظمة التي تجدف عكس التيار. هناك أسئلة مهمة يجب أن تطرح في داخل المغرب مثل: ما جدوى الاستمرار في عناد المجتمع الدولي، والظهور في أعين العالم في صورة البلد الوحيد الذي لا زال يمارس الاستعمار.؟  ما لذي استفاد منه الشعب المغربي والقوى السياسية من احتلال الصحراء الغربية منذ 75م غير الكوارث والأزمات.؟ آلا يمكن أن يتحسن وضع المغاربة لو تم تأسيس المغرب العربي.؟ أليسوا هم أحوج شعوب المنطقة إلى اقتصاد الجيران بسبب فقرهم وكثرتهم السكانية.؟

• Twitter
• Facebook
• Google
• Tumblr
• Pinterest