المرأة الصحراوية: في الادب الشعبي( دراةس يتبع)

Resultado de imagen de mujer saharaui* عيشَّة أم النواجر ( عيشة ذات المكائد)
"عُبََرْ الناثي"( كيد النساء) هي مقولة مشهورة عند المجتمعالصحراوي تُذكر دائما حين يتعلق الأمر بقدرة المرأة على استعمال ذكائها للوصول إلى شيء معين بطريقة غير مباشرة. من هذه المقولة تنطلق حكايات عيشة أم النواجر الكثيرة.   
إن قصص عيشة أم النواجر( ذات المكائد) هي نوع أخر من قصص الأدب الصحراوي الشفهي الشعبي التي نجد فيها البطولة المُطلقة للمرأة. والذي يميز حكايات عيشة أم النواجر هو أنها ليست من صنف القصص الطويلة مثل قصة سريسر ذهبو. ليست أيضا من صنف قصص العاقلة ولفيسدة التي تعالج موضوع حسن النية والاستعمال الخطأ للذكاء. ففي نواجر( مكائد) عيشة نكتشف الكثير من المهارات العقلية التي تتمتع بها المرأة والتي ربما يحاول الرجال السخرية والتقليل منها. فعيَّشة في مختلف نواجرها الصحراوية التُي تُحكى هنا وهناك هي المرأة المنتصرة دائما في الأخير: هي البطلة الذكية، هي القوية التي تتغلب على زوجها الذي يدعي الذكاء وهي، في النهاية، التي تحصل على ما تريد . وحين تصبح المرأة بطلة في قصص يطبعها استعمال الذكاء المحض فإن الرسالة التي يمكن أن نفهمها هي أن المجتمع الصحراوي أراد أن يخلد ذكاء المرأة ويحتفي به ويعطيه ما يستحقه.
  
* أ)  نواجر( مكائد) ضد ظلم الزوج           
في إحدى المرات أراد زوج عيشة أم النواجر أن يتزوج عليها بأمرأة أخرى. وحسب الحكاية فإن الخطيبة الجديدة لزوج عيشة تعيش معها في نفس المحصر ( المخيم)؛ علمت عيشة بالخبر فقررت أن تفسد العرس. في اليوم الذي سبق الخطبة أشاعت عيشة في المخيم أن زوجها أصيب بالخبل. سرت الإشاعة بسرعة إلى كل سكان المخيم بما فيهم الخطيبة الجديدة. بدأ الرجال يختبرون صحة الزوج العقلية، لكنهم كانوا دائما يجدونه بخير وأن عقله سليم. حين لم يلاحظوا أي شيء يدل على خبله بدأت النساء تقول أن سبب حديث عيشة عن جنون زوجها مرده هو الغيرة. حين أراد الزوج أن يستدعي رجال المخيم ليشهدهم على نيته في الزواج مرة ثانية، ذبح كبشا كبيرا وطلب من زوجته، عيشة، أن تطبخ الغذاء للرجال. سألته عيشة: لماذا هذه الذبيحة التي جاءت في غير وقتها.؟
قال لها متحديا: سأتزوج مرة أخرى.
تظاهرت عيشة بالفرحة ثم بدأت تزغرد؛ أسرعت وأخرجت لزوجها ثيابه الجديدة ثم قالت له: إذا حضر الرجال لا تتوقف عن الضحك والابتسام في وجوههم فهذا يوم يدعو للضحك.
حين غادر الرجل إلى خيام الرجال المتناثرة هنا وهناك ليستدعيهم، قامت عيشة بإخفاء لحم الكبش في مكان سري؛ أطفأت النار وحثَت التراب على آثار الدم والذبح ثم مررت الغنم على المكان لتخفي أي أثر يمْكن أن يبقى. أزاحت الفراش الجديد والقطائف ووضعت مكانها حصائرا بالية ثم واصلت نسج حصيرة كانت بدأتها منذ مدة. حين كان الزوج يستدعي الرجال كان يقول لهم كل على حدة: تعالى لتتغذى عندنا وتشهد على خطبتي الجديدة. اليوم سنأكل أكبر كبش في غنمي." ولم يكن الزوج ينسى أن يتبع كلامه بضحكات عالية مثلما أوصته بذلك زوجته عيشة. اجتمع الرجال في مكان معين ثم ساروا جميعا مع الزوج إلى خيمته. حين وصلوا وجدوا المكان غفرا خاليا إلا من عيشة التي كانت تنسج حصيرتها وحدها. حين لم يجد الزوج أي شيء اندهش وسأل عيشة: أين الكبش الذي ذبحت وطلبت منك أن تطبخيه.؟
بدأت عيشة تصرخ وتقول: لقد جُن الرجل. منذ العيد الماضي لم نذبح أي كبش.
حين لم يبصر الرجال أي اثر للكبش المذبوح أرادوا أن ينصرفوا، لكن عيشة طلبت منهم أن يدخلوا ويقيدون الرجل حتى لا يقتلها."
قيدوه فعلا وهو يصرخ ويتوسل. جلب الصراخ كل سكان المخيم بما فيهم الخطيبة التي كان الزوج ينوي الزواج منها. النتيجة أن الخطيبة رفضته، وحين علمت عيشة بذلك طلبت من القاضي إن يطلقها من زوجها الذي شهد الناس أنه أصبح مجنونا. كانت نهاية ذلك الرجل أنه كلما مر من بين الخيام يبدأ الأطفال يطاردونه ويقولون " مجنون. مجنون."
 * ب) جَمَلٌ للبنت أيضا
لم تكن عيشة ترضى عن الكثير من عادات وتقاليد المجتمع الذي لا ينصف البنات. ففي بعض الأحيان حين يزداد ابن ذكر ينحرون له ناقة في اليوم السابع من ميلاده الذي تتم تسميته فيه، أما حين تزداد بنت فإن أكثر العائلات لا تنحر لها جملا في يوم تسميتها وتكتفي بذبح شاة فقط. كانت عيشة تتذكر دائما أن إخوتها الذكور، كانوا دائما حين يتشاجرون معها يقولون لها: "أسكتي. لا تنسين أنه تمت تسميتك بذبح شاة فقط  أما أنا فذبح لي أهلي جملا."
كانت عيشة تعتبر عادة مثل هذه عنصرية ونقصا من قيمة المرأة. في إحدى المرات حضرت عيشة إلى تسمية بنت عند إحدى الجارات. لاحظت عيشة أن والد البنت كان منقبض الأسارير، ينهشه الحزن ويحس بألم عظيم. لم يفعل أي شيء احتفاء بتسمية ابنته ما عدا ذبح شاة واحدة ثم انصرف بحجة إن لديه عمل في الخارج.
حين حملت عيشة قررت إنه إذا كان مولودها القادم سيكون أنثى عليها أن تكيد لزوجها حتى ينحر جملا لها بدل أن يذبح شاة واحدة. كانت عيشة تفكر أنه يجب عليها أن تجنب ابنتها - إذا ازدادت فعلا- سخرية إخوتها في المستقبل.
ازدادت لعيشة بنت فعلا. . وضعتها في القماط حتى لا ينكشف أمرها ثم بدأت تزغرد وتغني. أخبرت زوجها وجيرانها أنها أنجبت ولدا ذكرا. بدأ الزوج في غاية الفرح والسرور. في اليوم السابع استدعى كل سكان المخيم لحضور حفل إطلاق اسم على مولوده الجديد. وحتى يفرح الناس ويأكلون جيدا نحر لهم أكبر جمل في إبله. حين تم كل شيء وتأكدت عيشة أن الجمل نُحر، أزاحت الستار الذي يفصل النساء والرجال في خيمتها وقالت للجميع: " أبشركم إنني لم أنجب ولدا ذكرا، لكن أنجبت بنتا جميلة وأخفيتها عنكم جميعا حتى يتم نحر جمل لها؛ انتم الرجال لا تحبون البنات ولا تعطونهن قيمتهن الحقيقية. إن أولادي الذكور سوف لن يسخرون في المستقبل من ابنتي."
صفقت النساء الحاضرات للحفل وزغردن اعترافا لعيشة بالذكاء؛ منذ ذلك اليوم أصبح مفروضا على كل رجال المخيم أن ينحرون جمالا حين تزداد عندهم بنات إناث.


*) حكايات تيبة وأم العريف
تيبة وأم العريف هما اسمان لامرأتين بطلتين كذلك لسلسة من الحكايات الشعبية الكثيرة. ففي حين تمثل تيبة قمة الغباء فإن أم العريف تمثل الشخصية التي تدعي معرفة كل شيء وتتدخل من أجل حل كل المشاكل، لكن تدخلاتها فاشلة دائما. فمن بين القصص التي يرويها الصحراويون لتيبة قصة رؤية الهلال. يقول الصحرايون في تراثهم أن من يتمكن من رؤية الهلال ليلة حلول رمضان قبل غيره يعتبر هو أذكى الناس، وكانوا قديما يضعون الحناء على يده اليمنى. فحسب إحدى الروايات أن سكان المخيم الذي تسكنه تيبة اعتادوا أن يجتمعوا ليلة الشك ليراقبوا الهلال. في إحدى المرات، حين كانوا يراقبون الهلال، تفاجئوا بتيبة تقول لهم: هاهو الهلال. . أنظروا  إنه هنا." بدأ الناس يصفقون ويباركون لتيبة. البعض منهم قال إن تيبة أصبحت ذكية والبعض الآخر يقول انها كانت ذكية لكنها كانت تتغابى.  لم تعرف هي مغزى التصفيق والشكر، وحتى تنال المزيد من التهاني التفتت إلى الجهة الأخرى وقالت لهم: " انظروا. هناك هلال آخر في جهة السماء الشرقية."
ضحك الناس هذه المرة وأصبحوا يقولون لكل شيء حدث بالصدفة" الا شوفة تيبة للشهر"( رؤية تيبة للهلال.)

في مرة أخرى عثرت تيبة على روث بقرة طازج؛ ظنت أنه حناء جاهزة فوضعته على يديها. حين عادت إلى خيمة أهلها قالت لأمها: أنظري يا أمي؛ بقرتنا تطرح الحناء جاهزة."
بعد هذه الواقعة أصبح الناس يقولون للذي لا يفرق بين الصحيح الخطأ: "مثل تيبة لا تفرق بين الحناء وروث البقر."

ومن حكايات أم العريف( أم المعرفة) أن عائلة لجأت لها كي تجد علاجا لإبنها الذي لا يكف عن البكاء. أخذت أم العريف الطفل الصغير وبدأت تفحصه جيدا. اكتشفت أن جلد جمجمته الفوقاني يتحرك باستمرار. أخذت مسمارا حاميا وغرزته في رأس الطفل فمات. قالت لهم: أنظروا لقد سكت."

يحكي الناس كذلك أن رأس جمل احد السكان وقع بين فرعي شجرة ولم يستطيع الفكاك منها. طلب صاحب الجمل من أم العريف، بصفتها "حكيمة"، أن تجد حلا للمشكلة.  حين عاينت المرأة ما حدث، طلبت سيفا حادا وحبلا. ظن الناس أن أم العريف ستقطع فرع الشجرة كي يخرج رأس الجمل، لكن بدل أن تفعل ذلك قطعت رأس الجمل فمات.                                    


إن الميزة الشائعة في الأدب الشعبي الصحراوي هو رسم صورة مفصلة للمرأة. ولم يكتف مبدعو ومنتجو هذا الأدب الجميل بإحضار المرأة في أدبهم وقصصهم الشفهية، بل أعطوها دور البطولة فأصبحت هي الشخصية المركزية في ما وصل إلينا من أدب. إن هذا يعكس في مجمله القيمة التي كان المجتمع الصحراوي يعطيها للمرأة في الحياة العامة.( يتبع)

يرجى تسجيل تعليقات ذات قيمة حتى يمكن ادراجها في الموقع الإبتساماتإخفاء

:)
:(
=(
^_^
:D
=D
=)D
|o|
@@,
;)
:-bd
:-d
:p
:ng